بداية ظهور المقاهي الشعبية
عبد الجبار محمد جرجيس
القهوة او المقهى.هو المكان الذي يجتمع فيه الناس من ابناء المحلات (الأحياء الشعبية)في المدينة أو أسواقها،حيث يجلس فيها كثيرا من التجار وأرباب الحرف والأصناف،إضافة الى الأدباء والشعراء والمثقفين فتكون محلا للقاء أبناء المحلة الواحدة أو المحلات القريبة لقضاء بعض الأوقات فيها والسمر واللهو والسماع .في بغداد عرفت أول مقهى سنة 1590م حيث تم بناء أول قهوة قرب مخازن الكمارك المتصلة بجامعة او مدرسة المستنصرية.في حين عمر حسن باشا والي بغداد في سنة 1604م قهوة أخرى قرب جامع الوزير.وكان عمال هذه القهوة من بعض العمال الشباب الذين عرفوا بحسن هندامهم وجمال ثيابهم وهم يقومون بارتياد هذه القهوة.
في البدء جاءت التسمية نسبة الى قهوة البن التي كانت معروفة وتقدم للزبائن.فعرف المكان بالقهوة أو المقهى ..وفي العهد العثماني كانت تعرف بإسم (القهوخانة).وفي زمان السلطان العثماني مراد الرابع أمر بإلغاء القهاوي في اسطنبول،والمدن التركية التي كانت تعرف بالدولة العثمانية.ومع تطور الزمن دعت الحاجة الى وجود عدد أكبر من هذه القهاوي،علما أن قرار منح بناء وافتتاح القهاوي لم يسر الى بغداد أو المدن العراقية.فتم فتح عددا لابأس به من هذه القهاوي في بغداد وبعض المدن العراقية،وأصبحت أماكن مهمة للقاء الأدباء والشعراء والمثقفين،كما عرفت القهاوي أنها تجمع أرباب الأصناف والحرف والأعمال التجارية في هذه القهاوي إضافة الى لقاءات أبناء المحلة في قهاوي المحلة حيث تقام المسامرات والعاب اللهو والمرح.وشرب التتن بواسطة (القليون) ثم بعد ذلك السكاير. وفي ذلك يقول الشاعر:
ماطول كهوة وتتن كل الأمور تهون
ثم بدت الألعاب الشعبية التي تمارس في القهوة مثل (الطاولة،والشطرنج،والحالوسي والدامة) وغير ذلك من الملهيات،وكان البعض من رواد هذه القهاوي ينزعج من أصوات اللاعبين.قال فيها الشاعر العراقي أحمد صافي النجفي.
ومقهى موضع النرد رأسي يطير مدى الحياة له نعاسي
تعالى القرع من كل النواحي كأني منه في سوق النحاس
كما عرف في بعض الوقت الغناء في بعض المقاهي وقراءة المقام،الجالغي،وأثبت ذلك الشيخ أحمد العتابي المتوفي سنة1605م في دمشق شيئا من هذا في أرجوزته :
وإن يكن في قهوة غناء وآلة ماعنهم غناء
لاتجلسوا بالقرب من مكانهم لتأمنوا العشرة من لسانهم
ولاتسلهم اعملوا عشاقا ولاحجازا ولا عراقا
وفي الموصل عرف عدد من المقاهي القديمة التي أنشأت على غرار مقاهي بغداد،حيث كان في الموصل (قهوة الطني)بالقرب من مسجد المتعافي قرب جامع الصفار وكان مكتوبا على بابها تاريخ إنشائها وهو في سنة (1235هـ/1848م)،كما عرفت قهوة (القزازين) التي كانت فوق قيسارية القزازين بالقرب من جامع الباشا وكانت موجودة الى سنة( 1955م).ثم قهوة(باباني) أبو محمود فوق الدكاكين قرب خان حمو القدو أشغلها (عبد الله الياباني) بالأصل من أهل كركوك.وكان فيها ملهى للغناء والطرب وقراءة المقام العراقي،,كانت موجودة الى سنة (1935م).كما أنشأت بلدية الموصل الدكاكين في منطقة الصوافة سنة (1878م)وأنشأت فوق السطح (قهوة الصوافة) في زمن رئيس البلدية(يونس أفندي الفخري).وأقدم مقهى في الموصل (قهوة الثوب)التي أنشأها سنة(1169م/1755م)الجليليون،وأوقفوها لجامع الباشا وهدمت سنة(1973م) عند مرور الكورنيش من أمامها.وفي العشرينات كانت مقهى الخضراء في باب جسر نينوى الحديدي،والتي أصبحت مقرا لجمعية القصابين سنة 1993م.ومقهى(السوق الصغير)سنة 1274هـ مقابل جامع التوكندي كان مكتوبا على بابها..
هذه القهوة (حازت) كل شيء قد تهذب
ببناء قد تعالى لعلى ذاك ينسب
كذلك قهوة (يحيى الكركر) سنة 1279هـ في رأس الكور وقد كان في بغداد قديما أكثر من (84) قهوة،أما في الموصل فيذكر محمد أمين العمري في منية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء انه كان في سنة (1201هـ/1786م) (113) قهوة في الموصل.وفي ؟؟؟ الموصل لسنة (1325هـ/1907م) (62) قهوة .. وهذا العدد يساوي ماكانت عليه القهاوي في الموصل الى سنة (1975م).
وكان للقهاوي محاسن تحققت لروادها حيث:
1. أنها أنمت حركة البيع والشراء والتعامل التجاري في قهاوي الأسواق.
2. إقامة علاقات تجارية بين تجار المدينة بعضها مع البعض وزيادة الثقة المتبادلة من خلال اللقاءات اليومية،إضافة الى العلاقات مع التجار من خارج المدينة.مثل بغداد وحلب.
3. حافظت على التقاليد الشعبية والعادات الموروثة لمرتاديها كالسحر والألعاب التي مورست فيها.
4. ساهمت في حل المنازعات العشائرية التي تحدث من أبناء المحلات من خلال الصلح والتفاهم بين الأطراف.
5. ساهمت في دفع قضايا الخطوبة والزواج من خلال تدخل الأطراف وكبار الرجال في دفع عملية الزواج .
6. ساهمت في إقامة المناقب النبوية وإحياء الموالد وخاصة أيام الخميس وأيام رمضان .
7. ساهمت في غرس التعاون والتسامح بين مرتاديها ،فاذا تغيب احدهم سأل عنه الجميع فاذا كان مريضا زاروه ،وإذا كان محتاجا أعانوه.
من موقع جريدة عراقيون[/center]