طلال النعيمي المدير العام
عدد الرسائل : 1810 العمر : 67 تاريخ التسجيل : 31/12/2006
| موضوع: دار المعلمين والحكم العثماني في الموصل الأربعاء 2 يناير - 9:31 | |
| دار المعلمين والحكم العثماني في الموصل عبد الجبار محمد جرجيس دار المعلمين في الموصل: تأسست في زمن الحكم العثماني للموصل وكانت تحتوي على صفين (اول وثان) ،عدد طلابها لا يزيد عن عشرة طلاب في الصفين حسب التعليمات، يقبل فيها من كانوا من طلبة العلم ليتم دراستهم في هذه الدار سنتين يتعلمون فيها مبادئ بعض العلوم. يعد حصولهم على الشهادة في هذه الدار مؤهلا للتعيين كمعلمين في المدارس الابتدائية ، وكانت لا تزيد صفوفها عن صفين أيضا (أول وثان) ولم تكن هناك بناية للمدارس هذه فيتم استخدام احد المساجد او الجوامع في المدينة لهذه الغاية. في حين يتم تعيين البعض منهم في القرى والأرياف. في سنة 1901م وقع الانقلاب العثماني فتطورت هذه المدارس واصبح عدد صفوفها ثلاثة وتطورت مناهجها على غرار ما موجود في المدارس العثمانية في اسطنبول. اهتمت حكومة الاتحاد والترقي في الدولة العثمانية بتنويع الدروس والمناهج فأصبح لمادة الطبيعيات معلم خاص بها. وآخر لتعلم أصول التربية والتدريس وآخر لمبادئ الإلهيات وهو ما يعني عندهم (علوم الدين الإسلامي). وللرياضة البدنية أصبح لها معلم خاص إضافة إلى الموسيقى والنشيد. معظم هؤلاء المعلمين كانوا من الأتراك لذلك فإنهم طبيعيا يتمسكون بقوميتهم ولغتهم التركية. أما العربية فلا تكاد تكون لها أهمية عندهم لذلك نفر الطلاب من هؤلاء الذين يتعصبون لقوميتهم ولغتهم ولا يهتمون باللغة العربية. كان عدد طلاب المدرسة 150 طالبا موزعين على ثلاث صفوف تضم كافة ابناء المدينة بتنوعها الديني والقومي، وقد كان في الموصل المسلمون والمسيحيون واليهود وهم يشكلون العرب والأتراك والأكراد. وبما أن دار المعلمين هذه كانت في المنطقة الشمالية لذلك كان طلابها من الموصل واربيل وكركوك والسليمانية وأطراف هذه المدن. كان اليهود الأقلية، لذلك فإنهم لا يفكرون في غير دينهم وقوميتهم، ولكن ظهرت سياسة (التتريك) عند الأساتذة. فبرز الرفض العربي لهذه الظاهرة واصبح الطلاب يناءون الأساتذة ويدخلون معهم في نقاش وجدال. كان بعض المعلمين مواصلة، من المتحمسين للقومية العربية وآخرين منحازين الى المعلمين الأتراك.في ذلك الوقت كان من بين المعلمين (مولود مخلص) الذي كان في الأصل ضابطاً. كان يقوم بتدريس التاريخ ويشمل على التاريخ الإسلامي والعثماني، وكان لهذه المادة منهج خاص بها. ومن خلال تدريسه كان يلفت نظر الطلاب الى قوميتهم وخاصة العربية، وكان يشيد بمآثر العرب وتاريخهم، كما ساهم في دفع الطلاب الى التعلم والتحصيل الدراسي لغرض التخرج والقيام بخدمة الوطن. الى جانب ذلك كان أيضا الشيخ قاسم الشعار العالم الديني والمعلم المكافح يقوم بتدريس علم الدين وقواعد اللغة العربية. شجع الطلاب على الدراسة ومواصلة التحصيل العلمي والتمسك بآداب الدين الإسلامي والصحوة العربية والدفاع عن القيم العربية وقوميتها. على أثر ذلك قامت ادارة الدار بتغيير الشيخ قاسم وتكليفه بتدريس (الجغرافية للقارات الخمس) كما عهدت اليه بتدريس اللغة الفارسية في الصف الثالث لاعتقادها انه سيفشل في تدريس هذه الدروس. الا انه كان يمتلك معرفة كافية من العلوم والمعارف ومتفوقا على جميع الطلاب عندما كان في المدرسة الإعدادية إضافة إلى نبوغه الفكري وحسه العلمي متفوق في مهمته الجديدة، وذاع صيته بين المعلمين، كما كان بارزاً في قول الشعر فنظم عددا من الأشعار أدخل فيها المعلومات المهمة للطلاب شعرا حتى يسهل عليهم حفظها. هكذا كانت طرق التعليم العثماني تحرم الطالب من لغته وتدعمه على التعلم بلغة لاصلة له بها. ظهر عند الطلاب الضجر من ذلك وكانوا يتوقون الى تعلم أصول الدين وطرق التجويد والقراءات القرآنية وبعض العلوم الأخرى باللغة العربية كقواعد اللغة العربية التي حاربها العثمانيون. ومن الملفت للنظر كان المعلم الذي كلف لتدريس اللغة العربية وقواعدها ضعيفا علميا ولا قدرة له في هذا الجانب ويبدو ان الادارة كانت وراء ذلك، وكان من بين الطلاب من هو أفضل منه علما في هذا الجانب وذلك يعود الى ثقافتهم الدينية قبل دخولهم الى دار المعلمين. ومن هؤلاء كان (محمد رؤوف الغلامي) رحمه الله مقتدرا في اللغة وهو بدوره كان يقوم بتوجيه الأسئلة الحرجة إلى المعلم الذي بدوره كان يعجز عن إجابتها. وكانت هذه خطة لإجبار الإدارة على تغيير المعلم. وإعادة الشيخ الشعار رحمه الله فما كان من ذلك المعلم الجاهل الا ان يتقدم الى الادارة لإعفائه من تدريس هذه المواد. وهنا رأت الإدارة أن لامناص لها من اعادة الشيخ قاسم الشعار الى تدريس هذه الدروس. على أثر هذا التطوع مارس المعلمون الأتراك الضغوط على الطلاب للحد من توجهاتهم الوطنية فأهملوا التدريس ولم يقوموا بواجباتهم التعليمية حسب المطلوب. فتقرر ان يقوم وفد من الطلبة للقاء مدير المعارف ويطلبوا منه الإيعاز إلى المعلمين للقيام بأعمال التعليم حسب المقرر، وتم تشكيل وفد طلابي منهم نشأت المغني وحسين شهاب وسعيد يونس وكان معهم محمد رؤوف الفلاحي. كانت الفكرة مقابلة مدير المعارف في داره وبعد اللقاء معه وطرح مطاليبهم بضرورة قيام المعلمين بواجباتهم. لم يرتح المدير لهذا الطرح واضمر في قلبه شرا بهذا الطلب. فأوعز بعد ذلك الى مدير المدرسة بطرد هؤلاء الطلاب. بعد ذلك علم السيد محمد رؤوف الفلاحي بهذا الإجراء المتعسف فقام بجمع جميع طلاب المدرسة وأحضرهم إلى المدرسة التي كان والده المرحوم محمد سعيد الفلاحي يدرس فيها وكانت هذه المدرسة في محلة النبي جرجيس وتعرف باسم مدرسة محمود بك فأعلنوا الإضراب بعدم الذهاب الى المدرسة لإرغام مدير المعارف على إلغاء قرار الطرد. وبخطوة ذكية قام الطلاب المتفقون بتشكيل صفوف قام بها عدد منهم بتدريس الطلاب حتى لا يصاب الطلاب بالضرر. وهكذا تواصل الإضراب مدة 17 يوماً، وتمكن الطلاب من منع المعلمين الأصليين من الدخول الى المدرسة رغم حماية الشرطة لهم. في هذه الفترة قام الطلاب بالإبراق إلى ناظر المعارف في الاستانة والى ناظر الداخلية ثم الى رئاسة الوزارة وشكوا فيها ظلم الادارة في المعارف وعدم الاهتمام بمصالح الطلاب وسوء المعاملة وعدم الاحترام. كما نشرت الصحف هذه البرقيات. وهكذا انتشر الخبر فما كان من ناظر المعارف الى ان ابرق الى الموصل والى الوالي بحل هذه القضية. هذه كانت بداية الانتصار على سوء التعليم في الموصل. على اثر ذلك تم تشكيل وفد من وجهاء المدينة وهم صالح السعدي ومحمد المغني وآصف وقائي وامجد العمري. وكانوا بحق وجهاء. وتم الاتفاق مع الطلاب على تخفيف بعض المطالب إلى نهاية السنة الدراسية. كما طالبوا بإلغاء قرار الفصل وعودة الطلاب المفصولين الى المدرسة واشترط الطلاب على مدير المدرسة تمزيق الورقة التي فيها قد أشر على قرار الفصل. وكان من بين الطلاب شاكر سليم القصاب الذي وقف امام مدير المدرسة وهو يهتف (افتحوا عيونكم، نحن عرب ولولا أنكم غرباء في بلدنا هذا لوقفنا على رؤوسكم. على اثر هذه الحادثة عاد الطلاب المفصولون إلى مدرستهم. | |
|