طلال النعيمي المدير العام
عدد الرسائل : 1810 العمر : 67 تاريخ التسجيل : 31/12/2006
| موضوع: العيد في الفلكلور الموصلي الخميس 11 أكتوبر - 18:46 | |
| رمضان وتوديعه واستقبال العيد في الفلكلور الموصلي عبد الجبار محمد جرجيس اعتاد المواصلة في الأيام الأخيرة من شهر رمضان الكريم الاستعداد لتوديعه واستقبال عيد الفطر المبارك في الأيام العشرة الأخيرة منه، فيبدأ كبار السن بشد الحزام والإكثار من العبادات والطاعات تقرباً لله تعالى ولوداع هذا الشهر المبارك، منهم من يذرف الدموع حياءً لوداعه، أما العائلة في البيت فتلجأ الى تهيئة لوازم وحاجيات العيد للأطفال وللكبار. فتشتري الأم القماش لعمل الفساتين الجديدة للبنات والدشداشات للأولاد. فترسل الى الخياطة في المحلة القماش لتفصيله عليهم. وذلك لعدم وجود محلات لبيع الألبسة الجاهزة قبل نصف قرن، فالأحذية من سوق (الأيمنجية) حيث كانت (القوندرة الحلبية منها أو المشاية) أهم ألبسة القدم آنذاك. والزبون والصاية والدمير والعكال (العقال) والغترة للرجال وقليلا من يلبس السترة والبنطلون، وللبنات الفستان والعباية أو التنورة الطويلة و(القوندرة النسائية) والجزمة والكالوش للنساء. في الجوامع والمساجد يكثرون من التهليل والتحميد والتسبيح وصلاة قيام الليل وصلاة التسابيح ثم يدعون بعدها بهذا الدعاء أو أي دعاء آخر، وهذا الدعاء: (يا حنان ويامنان اجعلنا وأمة محمد من عتقاء شهر رمضان، نسألك اللهم الأمان الأمان من زوال الايمان والعفو عما مضى منا وكان، عافنا اللهم واعفو عنا وعلى طاعتك أعنا وعلى غيرك لا تكلنا ياالله، اللهم اجعلنا والحاضرين من عتقاء شهر رمضان المعتوقين من النيران، آمين، آمين والحمد لله رب العالمين). وهكذا كلما قرب انتهاء شهر رمضان ازدحمت الجوامع والمساجد بالداعين والمستغفرين فيما نرى الفتيات والصبيان يودعون رمضان بطريقتهم الخاصة وذلك بالاجتماع سوية والدوران على بيوت المحلة في الأزقة بعد صلاة العشاء مرددين: يالعايدة يالعايدة باب الجبير باب الجبير عامودكم فضة ودايركم حرير دايركم حرير جينا على أبو محمد قيصلي قيصلي وبابو جبير دستو جبير ومعشي العصملي العصملي ثم يتحولون الى مقاطع اخرى من هذه الطلبات فيقولون: تنطونا لو ننطيكم بيت مكة انوديكم هذه مكة المعمورة مبنية بجص ونوره الله يخلي الواحد آمين وبجاه الله وإسماعيل آمين وفي حالة عدم استجابة أهل الدار لهم وعدم إعطائهم بعض النقود (العيدية) يكررون الطلب والصياح على باب الدار ويقولون: سغبس سغبس تنطونا لو نتكغبس هاون هاون تنطونا لو نتكاون أما في الجوامع وخاصة في خميس الجمعة الأخيرة من رمضان تبدأ التكبيرات من فوق المنائر وذلك قبل صلاة العشاء مع عدد من صبيان المحلة وهم يرددون: الوداع الوداع يا غمضان الوداع الوداع ياشهر الطاعة والغفران الوداع الوداع يا غمضان الوداع الوداع ياشهر الصيام والتراويح الوداع الوداع ياغمضان الوداع الوداع يا شهر النور والقناديل الوداع الوداع ياغمضان الوداع الوداع يا شهر النور والتسابيح بهذه الطريقة يتم توديع رمضان بتهليل وتكبير وتسبيح وبكاء وألم من الكبار من الشيوخ على ذهابه وفرح وسرور واستقبال للعيد من الصبيان. استقبال العيد يبدأ بتهيئة مستلزمات عمل (الكليجة) وتحضير الجوز واللوز والطحين والتمر، تلتف أفراد العائلة من الأم والبنات والصبيان وبعض بنات الجيران اللواتي يأتين للمساعدة، منهن من تقرص ومنهن من تقطع العجين الى قطع صغيرة وأخرى تقوم بعمل هيئة (الكليجة)، بعد صفها في الصينية الكبيرة تقوم الأم الكبيرة بشوي محتويات الصينية بواسطة (التنور) المصنوع من الطين وفي السنوات المتأخرة ظهرت الأفران فكانت ترسل الصواني الى الفرن لشيّها، بعد إكمال العملية ترسل ربة البيت قسماً منها الى الجيران والأقارب ثم ترسل نصيب (الغسالة) التي تقوم بتسبيح العائلة في حمام النساء أيام الجمع وأيام الأعياد. كما تقوم (الحفافة) وهي التي تخصصت برفع شعر الوجه والحواجب بواسطة الخيط بالمرور على الدور كي تقوم بتنظيف وجوه النساء من الشعر في مثل هذه الأيام حتى تبدو المرأة أمام زوجها اكثر نضارة وأجمل وجهاً. في حين يذهب الرجال والأولاد والصبيان الى حمام الرجال للاستحمام للعيد وقبلها الى (حلاق) المحلة لحلق شعر الرأس والوجه، في حين ترى الشباب منهمكين بتهيئة الألبسة الخاصة بهم مع الأحذية الجديدة والروائح العطرة. في عصر اليوم الأخير من رمضان يكون الطوب (المدفع) المنصوب في حافة نهر دجلة الأيسر بالقرب من (جسر نينوى) الحديدي حيث يضرب المدفع ثلاث حشوات باتجاه النهر إعلانا ان غداً (يوم العيد) وقد اعتاد أهل الموصل على سماع هذا الطوب منذ أيام الحكم العثماني الى يوم احتلال الموصل سنة 2003 من قبل قوات الاحتلال الامريكي فغاب هذا الطوب عن الأنظار. يوم العيد: في اليوم الاول للعيد وبعد الصلاة تنطلق بعض العوائل لزيارة القبور الموجودة داخل الموصل في باب الطوب وباب لكش وباب الجديد ومنطقة العناز، حيث كانت هذه المواقع كلها مقابر للمدينة ومنها أرض بناية المحافظة الحالية، في مشهد درامي حزين ترى النساء والرجال والصبيان ملتفين حول القبور يبكون فقيدهم أو والدهم أو ابنهم من الذين قضوا نحبهم وأصبحوا في باطن هذه القبور، الى جانب ذلك كان (الملا) يقرأ آيات من القرآن الكريم على القبور لقاء مبلغ من النقود على روح المتوفى كما يتم توزيع (الكليجة) على الفقراء في المقابر. في بداية اليوم الاول ينطلق الشباب والشابات الى التمتع بيوم (العيد) فالشباب يذهبون الى المقاهي في المدينة ومنها الى ساحة باب الطوب حيث تنصب فيها المراجيح والديديات وفتال الهواء والنواعير، يزدحم المكان وتتسارع البنات والأولاد الى ركوب هذه المراجيح، في الساحة تنتشر بسطات (الجرزات) من أنواع المكسرات وحبة الخضراء والسسي والبندق والفستق واللوز والزبيب والحلويات مثل راحة الحلقوم والسجقات كما تنتشر باعة المأكولات مثل (الكباب، العروق الحار، الكبة الصغيرة، الغبة، شربت الزبيب وشراب (النامليت) أشبه بشراب الببسي حالياً. يتحولق الشباب حول عربة التامليت الخشبية وهم يتبارون بلعبة (يطلع الا ما يطلع) أي اذا فتح فم بطل التامليت يندفع الغاز السائل من الفوهة أم لا وذلك بقوة الغاز. في مكان آخر من الساحة تشاهد بعض صواني (المخللاه) ذات الاحزور (القطع) الدائرية والطرشي والخيار والترعوز الكبوس الذي يشتهيه المارة وفي أسفل القدر الماء الخاص بالطرشي وفيه بعض رقائق من الكرافس الذي يزين هذه المشهيات، أما السينمات وهي أماكن اللهو والتمتع بالأفلام الوحيدة في الموصل آنذاك لعدم وجود أجهزة التلفزيونات في تلك الفترة وكانت هذه السينمات تعرض أفلام القوة والمشاهد التاريخية مثل فلم عنتر وعبلة وجابك والي وزورو، فلاش كوردن في فلم يصور الصعود الى القمر في تلك الفترة من الخيال العلمي الذي تحقق بعد 50 سنة من ذلك الوقت. اضافة الى أفلام عليا وعصام وتمكس وغيرها. وفي مجال سماع الألحان والأغاني هناك من يعزف على (المطبك) وهي آلة هوائية من القصب مثقوبة بعدة ثقوب عندما ينفخ فيها الرجل تخرج أصواتاً جميلة كالموسيقى. وعلى هذه الأصوات تتكون الدبكة الشعبية من عدد من الشباب والشابات على أنغام المطبك ثم على إيقاع (الدنبك) الدربكة أو ما يعرف باللهجة الموصلية الشعبية (الدمنك)، هكذا يلهو الشباب في هذا اليوم، أما الصبيان فينهمكون بشراء الملاعيب والفرارات الورقية والمسدسات والألعاب الخاصة بالأطفال مثل (الزنابير) التي تطلق بعد حرقها ويخرج منها أصوات مثل الانفجارات، كما هناك من يقوم ببيع الدنابك الى الأطفال والصبيان اضافة الى المطبك والماصول ويستمر اللهو الى الظهر، يعود البعض من هؤلاء الى دورهم للغداء. ومن المناظر المألوفة مشهد باعة (اللكالك) لقالق، وهي على شكل لقلق من مادة العسل المجوف مركبة على عيدان من قصب وهو ينادي بأعلى صوته (هذه البطة بيدا الحنطة بالمحطة) و (كن جا اللكلك جا اللكلك)، وهناك بائع (العنبر ورد) وهو عسل على شكل خيوط يسحبها البائع فتطول كلما سحبها ويقول: (الغيحا طيبي يا ورد) وفي جانب آخر بائع (الكبب) الصغيرة على شكل دوائر ويقول منادياً (ما تنكل من دهنها ياكبب) بينما تشاهد بائع (الجبن) المعجون مع الخبز والمخبوز بالتنور وهو لذيذ يقبل على شرائه العديد من الشباب والصبيان وينادي هذا البائع لجلب الزبائن (حار ماينكل من دهنو، محمص، نبيع بالذويق) وفي جهة اخرى نرى بائع (اللبلبي) الحمص والباقلاء ثم باعة المعلاق (الفشافيش). في منطقة باب الجديد يزدحم المكان بالشباب والشابات في انتظار ركوب السيارات الكبيرة التي تسير باتجاه معسكر الغزلاني حيث يركب الجميع فرحين ومسرورين، ويردد البعض من الشابات والشباب بعض مقاطع من بعض الأغاني الشعبية التي كانت سائدة آنذاك ومنها: على دلعونة وعلى دلعونة هوى الشمالي غير اللونة لطلع للجبل واحوش طماطة كلو على بابو الحطاطة وأخرى أغنية من الأغاني المحببة أيضا والتي لا يخلو منها فرح أو حفلة من حفلات الزواج أو الطهور وهي أغنية (صاح القطار) ومنها: صاح القطار قومي انزلي أوصلنا كوي حمام علي دادا أشي دعمل عمل والدهن يملي مزملي ثم مقاطع أخرى من أغنية (سعاد وما ماتت) ومنها: تحبون الله ولا تقولون سعاد كن ماتت أوي أوي دلال لا تطلعين على السطح وغجيليكي محنايي أوي أوي دلال لا تحسنين السطح ويغيدلو بنبي أوي أوي دلال سعاد ولاخ الجحش جحش البلدية أوي أوي دلال والله ما صوج الجحش صوجا لبنية أوي أوي دلال وتستمر هذه الأغاني والصفقات وضرب الدنبك حتى يصلوا الى منطقة الغزلاني وكانت خالية من الأبنية والسكان باستثناء المعسكر ومطار قاعدة فرناس الجوية. بعد ذلك يعودون بالسيارة نفسها الى باب الجديد بنفس الهرج والمرج. في جانب آخر كان هناك من يقوم بسباق الخيل والمطاردة في بعض المناطق حول المدينة، مثل أرض الصينية قرب مرقد الإمام (قضيب البان) وارض المنطرد والغزلاني ومناطق اخرى حيث اشتهرت الموصل بتربية الخيول العربية الأصيلة، وبرزت أسر في هذا الجانب مثل عائلة ألـ الطالب وآل الجومر وآل النجيفي. تقيم سباق بين هواة ركوب الخيل ومن يصل أولاً يكون هو الرابح وكان لهذه الهواية رجالها، وهي من الألعاب المحببة لدى الشباب وفيها تبرز البطولة والخبرة والمطاولة ومهارة ركوب الخيل. أما في السدار: حيث يجلس الأب الكبير والوالدة ثم يأتي الأولاد الكبار ثم البنات ثم الأطفال للسلام على والدهم وجدهم وتهنئته بالعيد السعيد وهم بذلك يقدمون فروض الطاعة والاحترام والمحبة للوالدين وللأخوة بينهما. في هذه الحالة يقوم الوالد الكبير بتقديم مبلغ من المال للأولاد (العيدية) وتقضي البنت المتزوجة مع زوجها اليوم الثاني عند بيت والدها بهذه المناسبة لأنها في اليوم تذهب مع زوجها الى دار أهله لتقديم التهاني. لا تخلو بعض الأعياد من الحوادث المنغصة للافراح فمثلاً في سنة 1953م في يوم العيد كانت سينما الملك فيصل الثاني في شارع حلب تعرض أفلام العيد المحببة لدى الشباب. حدث تماس كهربائي أدى الى حريق فازدحم الأطفال والصبيان يتدافعون نحو الباب للخروج هربا من الحريق وكان المرحوم البطل (محمد طاهر) رحمه الله ذو القوة الخارقة حاضرا فكسر الباب الحديدي وبدأ الأطفال بالخروج هربا من النيران. في الجانب الأيسر من المدينة قرب حديقة الشعب (الألعاب حاليا) يوجد (الكب) موقع بيع الشمزي والبطيخ والخيار وكان الناس يزدحمون في الحديقة للترفيه عن النفس. وكانت بعض المقاهي الصيفية تقام تحت الجسر فيجلس الشباب فيها ويقضون وقتاً في لعب (الدومينا) ويستمعون بالجو الطيب وخرير انسياب نهر دجلة وهم فرحين ومنشرحين بهذا اليوم الجميل. آخر أيام العيد يعمد الصبيان الى التأخر الى ما بعد الظهر في العودة الى دورهم وفي نهاية الثالث يرددون: (غاح العيد وقلقو كلمن يلبس خوقو). أي ذهب العيد وانتهى وعلى الناس العودة الى ملابسهم القديمة وممارسة الحياة اليومية العادية. في المساء يضرب (الطوب) ثلاث حشوات نحو النهر إعلانا بانتهاء العيد. | |
|