عدد الرسائل : 1810 العمر : 67 تاريخ التسجيل : 31/12/2006
موضوع: عالم موصللي الأربعاء 15 أغسطس - 9:32
الشيخ شمس الدين السيد حاتم عالم ومكتبي متميز
عبد الجبار محمد جرجيس
نبغ في الموصل العديد من العلماء والخطباء والأدباء والمثقفين فأصبحوا نجوماً في أيام كانت الحاجة فيها الى العالم المجاهد في سبيل دعوة الحق ونشر المفاهيم الاسلامية السمحاء ومحاربة الدجل والدجالين ودعاة التمزق والتشرذم ضرورية جدا. هكذا كان شيخنا شمس الدين لم يسكت يوم سكت الناس ولم يخش السلطات عندما دعته الظروف ليقف امام الطغيان واليوم نستعرض بعضا من سيرة هذا الرجل الذي لزم داره وأتعبه الزمان ليطلع ابناء الموصل على هؤلاء الرجال.
-1 ولد شمس الدين عبد العزيز السيد حاتم في مدينة الموصل سنة 1931 من أسرة عرفت بنقائها وأصالتها الاسلامية ومسيرتها الاخلاقية والاجتماعية. منذ نعومة أظافره أحب تعلم القرآن الكريم فادخله والده السيد حاتم رحمه الله عند الكتاتيب وكان (الملا حسين) من الملالي الذين قاموا بتدريس القرآن الكريم للصبيان آنذاك. وكان ولده الشيخ علي من الذين تعلم الكثير من طلاب العلم عنده القرآن الكريم في الجوامع، وسار الملا حسين على درب والده رحمهما الله. كما تعلم القراءة والكتابة والحفظ والتجويد فيما بعد. كما تعلم بعض دروس تعلم الخط بالوسائل المتبعة في ذلك الوقت (بالقصبة والحبر) لندرة الأقلام في وقته. ثم تعلم مبادىء العلوم البسيطة التي يتعلم منها بعضا من المعرفة التي بواسطتها يستطيع التعلم ومعرفة الاشياء.
-2 بعد ذلك دخل الى المدارس الرسمية في (مدرسة الخزرجية في الموصل) ومنها نقل الى (مدرسة الحدباء الابتدائية) عرف بذكائه المبكر وتعلمه السريع فنال الشهادة الابتدائية في السنة الدراسية (1943-1944). وفي مرحلة متقدمة من عمره حاول طلب العلم الأكاديمي في الأزهر الشريف الا انه لم يتمكن من ذلك لعدم حصوله على الموافقات الرسمية، فانصرف الى الاعمال الحرة الى جانب والده رحمه الله. الا ان ذلك لم يثنه عن التعلم ومواصلة الدراسة ودراسة العلوم الشرعية التي شغف فيها. فكان ان توجه الى كبار علماء الموصل المعاصرين آنذاك وفي مقدمتهم المرحوم (الشيخ عز الدين الخليفة 1910-1984) وهو من علماء الموصل وكان إماما وخطيبا في (جامع السطان ويس) ثم درس كذلك العلوم العقلية والنقلية عن الشيخ (عبد الغفور الحبار 1886-1959) ثم واصل دراسته بصورة مستفيضة عن الشيخ المرحوم (عمر النعمة 1906-1983) والشيخ (عبدالله الاربلي 1914) ثم (الشيخ عثمان الجبوري 1909-1984) والشيخ علي الشمالي 1915-1974 رحمهم الله وكانوا جميعا وعاءا للعلم. فنهل من علومهم بحسب المنهاج العلمي لطلبة العلم والذي يتم تدريسه لهم. وعندما تكتمل العدة عند الطالب يمنح الإجازة العلمية ويصبح عالما مؤجزا ومع كل هذه الدراسة أراد المزيد، فواصل دراسته عند الشيخ (محمد رشيد الخطيب 1882-1979) رحمه الله فنهل من علمه وتشرب بأخلاقه فتجسد عنده الوقار وحب الدعوة والارشاد ونشر مفاهيم الاسلام.
-3 بعد ذلك تم تعيينه خطيبا في جامع النبي جرجيس عليه السلام وهو من الجوامع المهمة والكبيرة في الموصل فاشغلها بجدارة، تميزت خطبه بالسلاسة واللهجة الإيمانية وقوة الحجة والإقناع فبرز خطيبا مفوهاً، تميز على أقرانه من الخطباء في تلك الفترة وخاصة في مرحلة الستينات من القرن الماضي، وكان جريئا لا يثنيه عن قول الحق ومحاربة الإلحاد والشعوذة والدجل ومقاومة السلطة آنذاك أي شيء. في تلك الفترة عرفته من خلال منبره في جامع النبي جرجيس عليه السلام، كان ياتي يوم الجمعة ومعه الوسادة والبطانية لكونه يعلم انه بعد الخطبة يساق الى التوقيف لقوله الحق وقول الحق في تلك الفترة كان يغضب السلطات فيزدحم الجامع بالمصلين ويعلو صوت شيخنا شمس الدين ملعلعاً من فوق منبر رسول الله عليه الصلاة والسلام وينتقد الحكومة ويهاجم الطغاة والمفسدين آنذاك. وكان يحمل السلطة عدم جديتهم في حفظ الامن وإشاعة الأمان لدى المواطنين ومراعاة حقوق الانسان وما حدث للموصل من تهميش وظلم وسيطرة خلال تلك الفترة، صاحبه بعض الانفلات الأمني، كما هاجم الافكار الملحدة والدعوات الإلحادية وتفرقة الشعب ودعا المصلين الى التحابب والتماسك. ومن باب الجامع يؤخذ الشيخ الى الامن للتحقيق بحجة اثارة المصلين ضد السلطة وبعد فترة يتعاطف معه ابناء الموصل ويخرج شمس الدين ويعود الى الخطبة في الاسبوع الذي بعده.
-4 أشغل الإمامة في مسجد السوق الصغير ولم يداوم وسرعان ما نقل الى الإمامة والوعظ في جامع الصفاء في منطقة الساعة وهو من المساجد والجوامع الجديدة التي بنيت في تلك الفترة بناه المرحوم (محمد الصفار) وبقي خطيبا في جامع النبي جرجيس عليه السلام.
-5 كان الشيخ شمس الدين مولعا بالقراءة للكتب الدينية والأدبية. وامتلك قوة التعبير والكتابة وكان له ذوقا سليما حتى غدا كاتبا مؤهلا كتب العديد من الخطب والمقالات الإرشادية ذات البعد العام. وله معالجات قيمة لمواضيع متعددة تواصل مع البحث والقراءة والكتابة وسهر الليالي من اجل ان يكون ملماً بحوادث الحياة معالجاً لمشاكلها مرشداً للقراء وناصحا للذين ينحرفون عن المسار القويم. كتب عن القيم والأخلاق عند الشباب وغرس في نفوسهم حب الوطن ودعاهم لوحدة الصف والتلاحم وغرس القيم والمبادىء الاخلاقية والوطنية في نفوسهم كان يدعوه للوحدة الاسلامية مركزاً على الوحدة العربية التي اعتبرها أساسا أوليا وضروريا للوحدة الاسلامية.
مكتبته الشخصية:
بعد ذلك انصرف الى العمل الحر ولم ينساق الى الوظيفة المدنية فأسس مكتبة في شارع النجفي لبيع وشراء الكتب والمطبوعات المهمة. وكان خبيرا بأهمية الكتب وأنواعها وبقي في هذه المكتبة الى نهاية 2003 حيث ترك العمل ولازم داره حيث كبر سنه وتعب من الحياة.
مواقف شمس الدين:
في السنوات 1992-1996 كنت مديرا لأوقاف نينوى وكان الخطباء أحيانا لا يسدون حاجة جوامع الموصل آنذاك لعدم مواصلة الطلاب لدراساتهم الدينية وقلة العلماء بسبب قلة الرواتب التي لاتفي بالحاجة، عندما يشغل جامع ونحتاج الى خطيب. كنت اطلب منه لعلاقتي الصادقة به ان يسد هذا الفراغ وقمت بذلك عدة مرات، وهو يلبي الطلب مشكورا وبدون أجر خدمة للإسلام. تم تنبيهي ان الشيخ شمس الدين أصلاً ممنوع من الخطبة فكنت لا أبالي لهذه المنع وكان يلبي الطلب كذلك. هكذا نرى هذا الشيخ رغم كبر سنه الا انه كان لايتوانى عن واجبه الاسلامي حينما يدعى ولا يبالي. ونحن في هذه اللمحة البسيطة عن هذا الشيخ الجليل نتمنى له طول العمر وخاتمة طيبة رعاه الله.