عندما تعتزم الدخول الى عالم الصحافة ..ماذا تفعل!
معظم كبار الكتاب - في الشرق والغرب - بدأوا او واصلوا الكتابة في المطبوعات الدورية الصحفية , قبل او بعد الانصراف لتأليف الكتب . هذه الظاهرة ما زالت سائدة وشائعة حتى هذه الايام . معظم الكتاب المعروفين المعاصرين نجد اسمائهم في الصحف اليومية والمجلات الاسبوعية - متخصصة او غير متخصصة . وللظاهرة اسباب عديدة ومتباينة , قد يكون من بينها العائد المالي السريع والمجزي - احيانا - خلافاً لعائدات الكتب القليلة والشحيحة . وقد يلجأ الكاتب الى الصحف , ليكون دائما في أذهان الناس وذاكرتهم , او التماساً لشهرة من خلال رأي او فكرة لا يتسنى له طرحها في كتاب باهظ التكاليف قليل التوزيع .
لا يفترض في الصحفي العادي كاتب التحقيق او المقال ان يكون ذا باع طويل في معرفة تأليف الكتب والدراسات التخصصية , او الاطروحات الجامعية . يكفيه الوضوح والبساطة ومعرفة اسرار اللغة ومقومات الكاتب : كالدأب والصبر والجلد وامتلاك ناصية قدر معقول من ثقافة عامة .
نصائح مهموسة :
للذين يعتزمون بداية حياتهم المهنية بالكتابة للصحف والمجلات , تزجي معاهد تعليم الكتابة وترويج بضاعة الكاتب , بعض النصائح المهموسة : ألق نظرة متفحصة على موضوعات المطبوعة ( صحيفة او مجلة ) ومن نوعية المقالات والتحقيقات والافتتاحيات التي تزخر بها يمكنك الحدس بالخط العام الذي تنتهجه تلك المطبوعة , ومن ثم قدرة التخمين عن أي الموضوعات مستحب ومرغوب , وأيها نافر ومرفوض , استخدم تلك الايماءة بذكاء . فالصحف متعددة الوتجيهات والاهداف , ومنها ما يتوجه الى عمر معين , منها ما يتخصص بالثقافة , او الازياء او التغذية او الصحة وا الرياضة او التاريخ .. الخ .
راقب ليس الموضوعات فقط , انما الصور المنشورة والرسائل الموجهة للمطبوعة , والعناوين الرئيسية والهامشية . انها تعطيك لمحة عن الفئة التي تتوجه اليها المطبوعة والشريحة البشرية التي تقرأها . وبالتالي تمدك بالافكار التي يمكن استثمارها عند الكتابة . انت لا تبيع كتابك للقراء مباشرة , انك تبيع - وبصعوبة بالغة - للمحرر وا سكرتير التحرير , وعليك ابهاره او اقناعه بجودة وجدة وجدوى كتابتك . فالمحرر مهما تظاهر باستغنائه عن موضوعات غير تلك التي يوفرها له المحررون الدائمون ( الموظفون ) فأنه لن يصمد طويلاً امام مقال جيد وجديد وفريد . المحرر او سكرتير التحرير لا يمكنه كتابة المجلة لوحده او اعتماد المحررين الدائمين .المجلات الناجحة دائما تعتمد على كتاب من خارج المؤسسة او حلقة المحررين الدائميين .
أرسل وأرسل ولا تيأس :
المحرر يعمد الى ملء صفحات مجلته بما بين يديه من مواد متاحة وفرها له المحررون , ولأن ماكنة الصحيفة دائمة الدوران لا تتوقف قط فأنه دائما فيشحة الى الجديد والمثير . اكتب للمجلة التي تستهويك موضوعاتها . ولا يحبطنك عدم النشر في الاسبوع الاول او الثاني . فقد تجد موضوعك - منشوراً بأسمك في الاسبوع الثالث او الذي يليه , وما عليك الا استثمار المبادرة بارسال موضوع ثان وثالث , وعندها ستجد نفسك صديقاً دائما للمجلة وتكون قد دخلت عالم الصحفي الخارجي ومهدت للدخول الى بلاط صاحبة الجلالة من البوابات الواسعة .
اليقظة والذاكرة الحية والفكر الخلاق والضمير الواعي ونزعة الطفل المشاكس التي لا تكف عن السؤال , ولا تكتفي بأجابة ولا يقنعها جواب , هذه سمات الصحفي اضافة الى الصفات العامة الواجبة الحضور في الكاتب الاديب والكاتب الباحث . ثمة قول ينسب لأرسطو استخدمه الكاتب الانجليزي كبلنغ رايام , في كتابه الواسع الانتشار : الكتابة للمتعة والفائدة , يقول اني أسخر خمسة من المخلصين في أي عمل صحفي أقوم به , هؤلاء الخمسة هم أساتذتي : ماذا ولماذا ومتى واين وكيف ؟
ويضرب لنا مثلاً , يقول تخيل انك ذهبت لشاطئ النهر او البحر لتقضي عطلتك السنوية او عطلة نهاية الاسبوع وهناك شهدت الطحالب تمور وتروج مع الموج على الشاطئ وفي خضم الماء . هنا , ستغادرك كل رغبة في قضاء الاجازة على اي وجه :مستلقياً على الرمال محدقاً في الافق , سابحاً في المياه الدافئة الزرقاء , متلذذاً بطبق سمك مشوي تعبق رائحته في الجو , مستمتعاً بالثرثرة مع زميل او عابر سبيل , ستتوارى كل رغباتك تلك , ويتحرك فيك الحس الصحفي , عصا تلاحقك , افعى تلوب في صدرك ولا تترك لك فرصة او تستكن اوتستريح , طحالب على الشاطئ , ياللغرابة , ياللمتعة .
ما هي هذه الطحالب ؟ كيف تتكاثر وتنمو ؟ من نوى أم جذور ؟
هل هي سامة ؟ نافعة, غير ذات منفعة ولا ضرر ؟
هل تنمو في المناطق الضحلة المياه, في المناطق الباردة ؟ الحارة ؟
كم هي بعيدة عن قاع البحر , هل تحتاج للهواء والضياء وهي على ذلك البعد , هل تحتاج لسماد ؟
كم عدد انواعها ؟ ما أشكالها ؟ ما ألوانها ؟
هل بالأمكان تسخيرها كغذاء , لسد النقص في سلة الغذاء العالمي مثلا ؟
هل صحيح انها وجبة شهية على موائد اهل اليابا ن؟
هل يمكن استعمالها كمطيبات لما لها من نكهة حادة غريبة ؟
هل من علاقة للطحالب بالبيئة ؟ تحسنها ؟ تزيد في حدة تلوثها ؟
ما تأثيرها في الاحياء المائية الاخرى ؟
بعد ان تتوارد كل تلك الاسئلة على ذهن الصحفي , ينقطع خيط التمتع بالعطلة وتبدأ المتعة بالكتابة .
احد الصحفيين البريطانيين فعل هذا , فكتب لصحيفته , ثم لمجلة متخصصة , ثم لمركز بحث , ثم انتهى به الامر الى تأليف كتاب ضخم عن الطحالب والاعشاب البحرية في العالم , حقق مبيعات خيالية بعد ان اختار له عنواناً شيقاً استقاه من نتائج ابحاث مركز البحوث .مفاده ان كثيرا من المنشطات الجنسية تستخرج من خلايا طحالب البحر .
" ابحث عن خصوبتك الجنسية تحت سطح البحر " .
تبدو الكتاب للمجلات والصحف سهلة ويسيرة , وما هي سهلة ولا يسيرة سهولتها سهولة شرب الماء العذب المقطر من مياه البحر , معبأ في قارورة انيقة , جاهزاً وفي متناول اليد .
عن ماذا تكتب وكيف ؟
في الصحافة هنالك دائما , موضوع ناجز للكتابة , يفتح ذراعيه مرحباً بأي طارق , ابتداء من سقوط طفل في حفرة مجار الى استقالة رئيس وزارة .
كل شئ في هذا الوجود ارضاً وسماوات ومجرات يستحق الكتابة اذا عرف الكاتب من اين يبدا والى اين ينتهي . وهو لا يعدم ان يجد موضوعاً جديراً في كل دقيقة وعلى مدار ساعات الليل والنهار .
الاصالة احد اعمدة الثبات التي يقيم عليها الصحافي بناء شواهق عمارته . والأسلوب الخاص , المتميز او المتفرد مطلوب يعززه حس مرهف وثقافة عامة وتوجه انساني نبيل .
اشتراط الصدق والاصالة والنبل في كتابة الصحفي قبل اشتراطها في الكاتب الاديب منطقي . ففرصة قراءة كلماته وافكاره واراءه التي تعانق عيون القراء كل يوم , لا تتوافر للاديب الذي قد لا يقع كتابه بين يدي القارئ الا كل شهر او عدة شهور او حتى سنوات . وفعل القراءة اليومية في التوجية النفسي وعبر العقل الواعي واللاشعور فعل خارق كالسحر وا المعجزة , من هنا تجئ اهمية الصحفي وقدر مهماته الجليلة .
وكلما عرف الصحفي دقائق الموضوع الذي يكتب عنه , واحاط ببطانته وخباياه كان ذلك أدعى لتحقيق النجاح المطلوب . وغني عن الذكر وجوب توافر الحد الاعلى من الثقافة , لتوطيد ثقة القارئ بكاتبه وما يكتب عنه .
هل يضع الصحفي جزءا من ذاته في الموضوع الصحفي ؟ خبرته مثلا او تجاربه او همومه او جذله ؟ يبدو الامر مقبولا في مدارس تعليم الكتابة . بل يبدو محبباً ومحبذأ احيانا اذا اقتضى السياق ذلك الوجود , ولكن بحدود وضوابط . فليس مقبولا قط حشر الكاتب لنفسه في كل صغيرة وكبيرة والتحدث عن اولاده او حبيبته وا مرضه او هموم عمله . وليس معقولا ان يطل على القراء بطلعته الغير بهية في بداية كل مقال ونهايته .
الصحفي , كأي كاتب يجد ضالته اينما سار , اينما حلق وحط , يجد ضالته ليكتب عنها , وقد تعينه الفهارس والقواميس والكتب , لكن مذاق الصحفي الحقيقي هو الرؤية . التأمل في كل شئ وتفحص كل شئ . من قائمة اعداد الطعام الى الامطار الصناعية ومركبات الفضاء .
الكتابة عن موضوعات عادية اكتسبته اهميتها من انسانيتها :ان الاف الاطفال يموتون كل ساعة دون ان يسترعي موتهم انتباهة احد الا الكاتب الصحفي . الكتبابة عن طفل يصارع الموت بعد اصابته بالسرطان لكنه يدحره ويحاول الانتصار عليه فيعب من مباهج الحياة حتى اليوم الاخير , ويصر على رؤية مباراة في كرة القدم بين فريق يشجعه وخصمه قبل ان يغمض عينيه في اغفاءة اخيرة .
اذا كان شرط الدقة والبساطة والوضوح واجباً في كل كتابة جيدة فانه في الكتابة الصحفية أوجب . مضافاً اليه شرط يبدو تعجيزياً الا وهو الايجاز . لما لصغر المساحة المتاحة في الصحف اليومية او المجلات الاسبوعية .
ان وضع معلومة خاطئة فيموضوع ما , كاف لأن يلقمك حجراً ويسد طريقك بحجر . تذكر ان الاف القراء وربما الملايين سيقرأون ما كتبت , ولكثير منهم عيون مفتوحة وبصر نافذ وذاكرة نشطة وهو غيورون على ما يقرأون ومتطلبون كأقصى درجات التطلب . ومنهم من هو على استعداد للكتابة مندداُ او معترضاً على أي خطأ او تحريف او تضليل . ان التحذلق باستعمال كلمات عويصة على الفهم لمجرد ادعاء معرفة او التباهي بثقافة او الزهو بمكانة , سلاح صدئ كثيراً ما يرتد الى صدر الكاتب المدعي , فالقارئ ملول صدود , لن يكلف نفسه عناء فتح القاموس كل دقيقة ليستعلم عن معنى او يستوضح عن اصطلاح , الكلمات غير المتداولة والغريبة والتقعرة صعبة على القارئ العادي مستهجنة عند القارئ المتخصص . وهذا لا يعني التمادي في استعمال الالفاظ والكلمات البسيطة حد السذاجة , الكثيرة التداول حد الاهتراء . فالاغراق في التعالي على القارئ اوافتراض غبائه وتسطحه , يجعل من كلمات الموضوع كومة من فحم وسخام او كدساً من حجارة لا يتورع القارئ عن ركلها بقدمه ويمضى عنها دون ان يلتفت ولو التفاتة غضب .
نوع الكتابة الصحفية
الموضوع الذي يكتب للصحيفة , مجلة او جريدة , ليس محاضرة تلقى على طلاب مدرسة ابتدائية او مدرج جامعة , ليس رسالة دكتوراه ليس دراسة اكاديمية , ليس تقريراً ادارايا او سياسياً يقدم لرئيس مؤسسة , ليس خطبة في محفل .
انه ليس احد تلك الانماط انما يتضمنها جميعا , فيا للعناء الذي يلقاه الصحفي وهو يحاول جمع كل تلك الانهار في مصب واحد ويدعو الناس للاغتراف والشرب دون غصه .
الموضوع الصحفي الناجح , ينبغي ان يثير اهتمامات القراء على مختلف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية , انه يخاطب العامة والخاصة , المحترفين والهواة , انه يتوجه للطالب والاستاذ والاقتصادي والسياسي والاداري ورجل اعمال , يستدرجهم ويغريهم ويجرهم طواعية وعن رضى وطيب خاطر للقراءة . وفي اللحظة التي يكون فيها العنوان الموحي قد اثار شهية القارئ والبداية البارعة قد أنشبت أظفارها في عيونه , عند ذاك تجئبراعة الكاتب الصحفي ومهارته وقدرته على الامساك بتلابيب المتلقي ومنعه من القاء الصحيفة جانباً او ملالا وحمله على التهام الموضوع حتى اخر مضغة فيه .
الجمل القصيرة افضل من الطويلة . وفي دراسة أعدتها احدى الجامعات الامريكية ثيت ان 10% من القراء فقط يفهمون الجمل الطويلة التي تزيد على 25 كلمة هذه القاعدة يمكن خرقها عند استثناءات الضرورة شرط الا تخب بجماليات الجملة ولا ببلاغة الكلمة , وقد ينصح بها الكاتب المستجد غير التمرس الذي لم يعجن الكلمات ويخبزها بعد .
ولكن جعل كل الجمل قصيرة , مخل ايضا. فالموضوع واسلوب عرضه هو الذي يفرض نفسه في احتيار طول الجملة لا تتشبث بنوع واحد من الجمل ولا تشغل بالك بعد الكلمات كلما انتهيت من كتابة المقطع , ان ذلك يشتت الافكار و يفسد جمالية الفكرة , علاوة على انه مربك ومفسد لمتعة التواصل في الكتابة .
الجمل الطويلة تهدهد القارئ وتدفعه للملال وربما للنعاس . اما القصيرة فتحفزه وتحثه وتدفعه للوثوب بين المقاطع بخفة وحيوية واندفاع .
لا بأس ان يستعين الصحفي ببعض تجاربه الشخصية , وا تجارب الاخرين او اقوالهم , وما يتحصل له من قراءة المقتبسات او الفهارس او امهات الكتب على ألا يتمادى في الاتكاء على تلك الاراء او يتعكز على الكتب ز
ليس هناك اسوأ من موضوع صحفي ,يبدأ بداية حسنة وينتهي بخاتمة غير موفقة .انه دلالة سيئة على الافلاس والعي واشارة على استنفاد كل ما في الجعبة من أفانين اللعبة , لا مناص من اختيار نهاية مقنعة للموضوع , سلباً كان ام ايجاباً , تأزماً كان ام فرجاً .
ومهما كانت اسباب العجز عن ايجاد نهاية مقبولة فلا ينبغي التخلي عن بلوغ تلك الغاية .اما اذا كان العجز فادحاً فخير طريقة للتخلص من المأزق ترك النهاية مفتوحة , بأشراك القارئ وتوريطه في حيرة البحث الدائب عن نهاية معقولة للموضوع .
اللقاء الصحفي
من مزايا الصحفي الناجح قدرته على اجراء اللقاءلت مع الناس وادارته الحوار بلباقة وذكاء , بمهارة وحذق .
خير مثال على ذلك حوارات البارع محمد حسنين هيكل مع القادة والزعماء الذين ادار معهم الحوار ومزج التاريخ بالجغرافيا بالسياسة بعبق البخور ونكهة التوابل .
قد يتعلل كاتب مبتدئ ويبرر : من يرتضي مقابلتي وانا كاتب مبتدئ لم يسمع به احد ولا يثق بقداراته احد ؟
والجواب يحتمل الوجهين , فاذا كانت مقابلات الاثرياء والمشاهير والقادة وكبار السياسيين او رجال الاعمال , مقصورة على نفر معروف من الصحفيين فكيف يبدأ هؤلاء مهنتهم ؟ لقد بدأوا المقابلات من أسفل السلم . ثم ارتقت مهاراتهم بالصعود .
ان الصحفي الناشئ لا يعدم ان يجد احدا يجري معه مقابلة ساخنة تتحدث عنها الاوساط الصحفية , الادبية , وربما السياسية . أحد الصحفيين في العراق اجرى مقابلة مع شحاذ . ثم اراد خوض تجربة المعاناة التي تحدث عنها وتفاعل معها , فخلع ثيابه الغالية وارتدى أسمال شحاذ , لشهر كامل وهو يعيش بين الشحاذين يأكل من طعامهم , ويتحدث أحاديثهم , ويتعرف الى مصطلحاتهم الغريبة ويفض أسرار المهنة , وكان تحقيقه عن الشحاذة والشحاذين مدار حديث المدينة لبعض الوقت .
او ذاك الصحفي الذي اجرى لقاء مع المعوق النابغة الذي يرى الالوان باللمس بعد فقدانه البصر .
او الحوار مع تلك المرأة التي أستطاعت الحفاظ بزوجها لمدة خمسة وعشرين سنة دون ان يخونها او تخونه .
هناك مواضيع لا عد لها ولا حصر لها , نفر من الناس من كل الشرائح الاجتماعية ومن كل الاجناس . يمكن اجراء مقابلاات فيها متعة وطرافة وكدسمن خبايا الاسرار والمعارف .
ثمة كتب عديدة بالانكليزية , تعلم فن أدارة الحوار وكيفية أنجاح مفابلة ببراعة ومهارة وحذق .
في أثناء المقابلة لا تجعل من نفسك علامة له في كل علم باع . ولا تستصغر شأن نفسك فتبدو ضئيلا امام محدثك العملاق , حاذر من احراج الاخر - رجلا كان او امرأة - بالسؤال عن عمره وحسبه ونسبه او عائلته او عمله , او تحمله على فض سر من أسراره , استدراجاً وا عنوة .
اللهم الا اذا رغب الاخر بذلك . او دعا اليه دعوة صريحة .
البداية مهمة لكسب ثقة الاخر والفوز بأعجابه , ( ليس بالضرورة كسب محبته ) باضفاء انطباع التواضع مع ما عندك من علم غزير . وجمع الادب مع ما عندك من شهرة , أياك والتعالي عند التحدث مع محدثك , مهما كان شأنه او منزلته او مقامه , أنثر نثار الألفة والمحبة بينك وبين محدثك , وما ان تنكسر حلقة الثلج القائمة بينكما عند ذلك يمكن تنفس الصعداء , وتوجيه ما تشاء من الاسئلة دون اخلال بقواعد المقابلة او قوانينها او شروطها .
لا ينصح ابتداء بتسجيل اي شئ على الورق قبل ان ينكسر جدار الثلج . فالشخص المقابل سيتحرز من كل كلمة يقولها , وسينصت الى نبض السؤال واحيانا سيزعجه حتى صرير القلم . من المستحسن توجيه سؤال للشخص : هل يمكنني تسجيل بعض النقاط للاستهداء ؟ ولكن احرص - في مقابلات من هذا النوع - ان تبدأ بتسجيل كل ما علق بذاكرتك حال انتهاء المقابلة . فالاسئلة والاجوبة ما زالت تنبض بحيويتها وحرارتها , اجلس للكتابة على التو لا تدع الامر لليوم التالي وا الساعات التالية . ستجد في الغد ان الموقد قد خبت جمراته , ولم يبق في الذاكرة الا اشباح اسئلة وظلال جواب .
شيوع الات التسجيل الحديثة ساعد كثيرا على التخفيف من عناء الصحفي الذي يلتمس المقابلة . ولكن حتى مع الات التسجيل فكثرة من الشخصيات لا ترتضي تسجيل المقابلة على شريط اللهم ألا ان تكون محاضرة او ندوة للنقاش او للمداولة .
ان اللجوء الى ألة التسجيل , يعفي الصحفي من كثير من الاتهامات التي قد يوجهها الاخر للصحفي , أنه تلاعب بالألفاظ او حور بالكلمات , حيث يمكن اعتماد التسجيل نفيا لكل اتهام او سوء فهم . ولا يغيب عن البال فحص جهاء التسجيل قبل البدء والتأكد من سلامة الشريط وصلاحية الجهاز للعمل , واصطحاب شريط أضافي تحسباً من طول المحاضرة او تشعب اللقاء .
لقد ضيع كثير من الصحافيين أجمل اللقاءات واحلى المقابلات , حين اكتشفوا بعد العودة الى البيت ان الشريط قد حشر في الألة بعد الدقائق الاولى وليس على الشريط الا همهمة لا تكاد تبين . الكاتب الناجح لا يكتفي بالمقابلة , انه يود التواصل مع " ضحيته " لاستخلاص اكبر قدر من المعارف والمعلومات , سيما اذا كان الاخر شخصية مرموقة في الثقافة او الاقتصاد او العلوم . فيسأل عن امكانية أعادة الكرة كلما اقتضى الامر , ولا بأس من التبسط معه وطلب رقم هاتفه او عنوانه , ليهاتفه او يكاتبه كلما جد جديد . لا تكن خجولاً ولا متردداً .
الصحفي البارع يتنامى بالأدب الجم , بالحياء , ويتضاءل بالخجل , يحييه الاقدام ويقتله التردد , وهو الذي ما اجل مهامه الكشف بالاقتحام . ان ارفاق المقابلة بصورة او صور معبرة عن الموضوع , يعزز من قيمتها الموضوعية والتوثيقية , ويمنحها عمقاً ودلالة . حبذا لو اصطحب الصحفي كاميرته معه عند التوجه لمثل تلك المهام .
المقالة الصحفية :
اذا كان من صلب وظائف الكتابة , الاخبار والامتاع والتأثير والاقناع , فأن المقالة الجيدة تؤدي وظيفتها على احسن وجه .
المقالة - كما يصر على تعريفها د. علي جواد الطاهر - نوع من الانواع الادبية الانشائية , يعبر بها الاديب , نثراً عن حالة من حالات مشاعره او طور من اطوار حياته , فينتقل الى قارئه تأثره بما رأى او سمع او أحس , عبر صورة جميلة مستمدة من خيال صاحبها , فيستوهي القارئ بجمال ادائه وطراوة تجاربه , واذ هي بالاساس قائمة على اساس تجربة شخصية وان كانت الموضوعية السمة المميزة لها , وكلمة " المقالة " ليست غريبة على اللغة العربية , وان كانت دلالتها الفنية محدثة في الادب العربي . ولعل تاريخ المقالة بهذه الدلالة يرتبط بتاريخ الصحافة وهو تاريخ لا يزيد عمره اكثر من قرنين من الزمان بكثير . ومعنى ذلك ان المقال قد دخل الحياة الادبية بعد ان اخذ وضعه في الاداب الاوربية . وقد يعد بعضهم " رسائل اخوان الصفا " من قبيل المقالات الطويلة التي قد تستغرق عشرات الصفحات .
منقول