عائلة الغلامي من عوائل الموصل البارزة وهي من البيوتات العلمية والأدبية، في السابق سكنوا محلة باب السراي وهم أعقاب ابو المكارم بن مصطفى بن علي بن محمد بن سعيد بن حسن بن طه بن ابراهيم. فيها الكثير من الساسة والأدباء والمثقفين، والشيخ الأديب محمد رؤوف الغلامي. من مواليد الموصل في سنة 1890-1968 فيها ولد وفيها نشأ. كان يحب العلم والمثقفين لذلك كانت نشأته دينية وكان والده من علماء الموصل الأفاضل فتربى في كنفه وترعرع على الاستقامة والأخلاق الحميدة والسلوك القويم ونهل من معين والده كنوز المعرفة وذخائر العلم فتعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم كغيره من شباب عصره الذين يتوجهون إلى الملالي وأرباب حرفة تعليم القرآن أو عند الكتاتيب، عندما أصبح شاباً جالس العلماء واستمع إلى الحكم والمواعظ الحسنة فوعاها ثم توجه إلى المدارس الإسلامية التي انتشرت في مساجد وجوامع الموصل ومن هذه المساجد:
-1 مدرسة مسجد الشالجي: الواقعة في محلة باب النبي وهي بالأصل مسجد للصلاة واتخذت مدرسة للتدريس، وآخر من درّس فيها المرحوم محمد خضر الرحالي في سنة 1995م ودرس في هذه المدرسة عدد كبير من الطلبة وهي تنخفض عن الطريق العام أكثر من 4 أمتار.
-2 مدرسة محمود بك محضر باشي: وهي بالأصل مسجد الآن يعرف بالتكية الفيضية في محلة باب النبي جرجيس مقابل دار آل زكر، وحاليا مدرسة ابتدائية عرفت بالسابق باسم محضر باشي، بنى المسجد محمود بك آل محضر باشي وبنى فيه المدرسة وكان يدرس فيها عبد الله الفيضي فنسبت في بعض الفترات إليه جددت من قبل آل الفيضي سنة 1996م وجعلت تكية ومسجد.
-3 مدرسة جامع يونس أفندي: بالأصل كان مسجدا يعرف باسم مسجد قرن علي بناه يونس أفندي بن حسن بن الحاج شعبان بن عبد الدائم الراوي جامعا سنة 1194هـ على أنقاض المسجد، وهو جد بيت هذه الأسرة بيت بكر أفندي ومات قبل إكماله فأكمله ابنه بكر أفندي وما يزال الجامع موجودا وقد عمر تعميرا جيدا وتقام فيه الصلوات. ومما جاء عن محمود الغلامي انه واصل تعليمه وأخذ العلم من العلوم المعقولة والمنقولة ليصبح ضمن قائمة علماء الموصل العاملين، فتوجه أخيرا عند الشيخ المجدد عبدالله النعمة شيخ علماء عصره في ذلك الوقت فتواصل معه مدة طويلة وأتقن عنده العلوم الشرعية ومنها الفقه الإسلامي وأصول الحديث ومصطلح الحديث والفرائض وعلم الميراث وعلم العقائد (الكلام والتوحيد) والتفسير والنحو والصرف والبلاغة وكل ما يتعلق بالشؤون العلمية وأخذ بعضا من التاريخ وسير الرجال حتى أصبح في مصاف العلماء، فما كان من النعمة إلا أن منحه الإجازة العلمية سنة 1363هـ-1943م وبهذا أصبح عالما موجزاً، لم يمتهن الحياة الدينية ولم يتفرغ لها لأنه كان أكثر ميلاً إلى الاتجاه السياسي الذي يعمل لنهضة الأمة وتحريرها من التبعية العثمانية ومقاومة سياسة التتريك التي نهجه حكومات بني عثمان آنذاك، وكانت ثقافته ومؤهلاته الدينية تؤهله إلى ذلك فاندفع لخدمة الدين والوطن، وساهم في بداية الأمر مع العديد من الشباب المسلم في تأسيس العديد من الجمعيات السرية ذات الطابع القومي التحرري، فتصدى آنذاك للسياسة الاتحادية والتبعية الدينية ضد الأتراك وشارك في النشاطات القومية وفي الجمعيات المحلية وأصبح في جمعية العهد العلم وفرع جمعية العهد سنة1919م، و جامعة الآداب سنة 1917م وأصبح معتمدا للجمعية، جمعية العلم ورئيسا لجمعية العهد كما ساهم في تأسيس مكتبة الخضراء سنة 1919م وكان موقعها مقابل الإعدادية الشرقية حاليا ثم في مدرسة النجاح الأهلية. جعل مهنة التعليم منطلقا لغرض غرس المبادئ الوطنية عند الطلاب وإيقاد جذوة التحرر من الهيمنة والاحتلال. شارك في الندوة الغلامية التي كان يعقدها في داره العديد من الشخصيات الموصلية من أصدقائه ومحبيه وبعض رجالات العلم والأدب في الموصل. كانت له ممارسات وطنية ومساهمات جادة منها مشاركته في حركة تلعفر ضد الهيمنة والتسلط البريطاني في أيام ثورة العشرين. كتب الكثير من التأليف والكتب والمقالات والبحوث الأدبية والفكرية ومارس الشعر إضافة إلى كتاباته السياسية. كان الغلامي مدرسة إصلاحية توفيقية حيث وفق بين القومية والإسلام. مستبعدا القومية الدستورية التي اتبعها أقرانه من المواطنين وكان يرى ان القومية وعاء الدين. بعد تأسيس الحكم الوطني وصعود الملك فيصل الأول رحمه الله ملكا على عرش العراق سنة 1921م جفاه رجال الماضي من الأصدقاء والأقرباء فعاد بعدها إلى مهنة التعليم إلا انه لم يواصل هذا العمل الوظيفي فعمد إلى التقاعد فتقاعد من الوظيفة والعمل وعاد إلى العمل السياسي وشارك في حزب الأحرار في الموصل الذي كان قد تأسس في بغداد من قبل المرحوم سعد صالح وأسس جريدة صدى الأحرار وكان يكتب فيها معبرا عن آرائه السياسية وفي الأحداث، فسجن في سجن الموصل وعندما أطلق سراحه قال في حقه الشاعر الموصلي صديقه المقرب إسماعيل حقي فرج:
طلعتك الغراء هل
بدت أم الهلال هل
أم هذه شمس الضحى
أم ذا ضياء القمر
فيك النجاح مشرق
والبشر فيه موفق
ومن كتبه
التي ألفها: تخميس همزية الإمام البويصري حققها ونشرها سنة 1940م. التحفة البهية في محضر إجازة علمية نشرها سنة 1944. المردد في الأمثال العامية الموصلية نشرها سنة 1964. أصحاب بدر أو المجاهدون الأولون نشرها سنة 1965. الجمان المنضد. العلم السامي في ترجمة الشيخ محمد الغلامي ومؤلفات أخرى.
خاتمة المطاف: ذهب الغلامي للعيش في بغداد وكان له أصدقاء وزوار يحبونه ويزورونه من أهل النشاط والفكر والأدب إلى أن توفاه الله في بغداد سنة 1968م، فرحم الله الغلامي وأدخله فسيح الجنان.
الكاتب : عبد الجبار محمد