عدد الرسائل : 385 العمر : 34 تاريخ التسجيل : 01/01/2007
07092014
يسارك شرفك 1- 2 ..... بقلم صائب خليل
يسارك شرفك 1- الشرف الوحيد في عالم السياسة
صائب خليل 31 آب 2014
الخجل من اليسارية
قفز إلى رئاسة العراق، من حيث لا يعلم أحد، وهو أمر ليس غريباً على السياسة في العراق، شخص لم نكن نعرف عنه شيئ تقريباً، ففتحنا أعيننا نبحث عن أمل في هذا الضياع الأمريكي الإسرائيلي الذي يلف البلاد ويلقي بها في غيائب المجهول، ولا يريد أن يترك في قياداتها إلا السفلة والمتوحشين المندفعين إلى الليبرالية الجديدة وحرية النهب، (حرية السوق)، فقرأنا أن "معصوم" كان في فترة من حياته "شيوعياً"، فكان ذلك بصيص أمل، أن تكون شيوعيته الماضية قد تركت أثراً أنسانياً في زاوية ما من رأسه وأن يكون قد قرأ يوماً شيئاً عن الجانب المدمر للرأسمالية، فإذا به يكشف عن حقيقته كاملة في خطاب توليه الرئاسة، بتجاهله تلك الفترة من حياته تماماً، ويتجاوزها كما تتجاوز امرأة وصمة عار في تاريخها! وقبل ذلك كان رئيس الوزراء المتنحي الذي قامت أميركا بإزاحته أخيراً كما فعلت بالذي جاء قبله، يهتف مفتخراً بأنه أسهم في القضاء على النظام الإشتراكي في العراق! وقبل ذلك كان وزير الدفاع يضمن خطاب تعيينه وعداً بـ "القضاء على الإرهاب والشيوعية"! كل ذلك جرى تحت سمع وبصر الحزب الشيوعي العراقي ولم يفتح فمه بكلمة احتجاج أو عتاب أمام أي من هذه الأحداث، بل يسارع قادته بدورهم قبيل الإنتخابات الأخيرة إلى التأكيد على أنهم "يؤمنون بحرية السوق"!
فهل صارت اليسارية والإشتراكية والشيوعية كلمات سلبية يستنكرها المجتمع، ويتهرب من الإتصاف بها أفراده ويتجاوز ذكرها من ارتبط بعض تاريخه بها، ويفخر من حاربها بما فعل، ويعلن من يحمل رمزها، توبتهم وبراءتهم منها، و "إيمانهم" بالدين الجديد؟ هل صار اليمين هو الشرف واليسار عار في المجتمع الذي تسيطر على سلطاته الإعلامية مؤسسات رسخها الإحتلال الأمريكي في البلاد واستلمت مقاليد سياستها جهات دينية ذات تاريخ معاد لليسار؟ دعونا إذن نقلها ونبرهنها في هذه المقالة بصراحة لا مجاملة فيها: اليسارية هي الموقف الإجتماعي السياسي الوحيد الشريف، وكل ما عداها أنانية واطئة، تتلبس أقنعة مختلفة، وتتجمل بأسماء مضللة!
اليسار إجتماعي واليمين فردي
اليسار إجتماعي الهدف بطبيعته، بينما اليمين فردي الهدف بطبيعته، ويركز الأول على القيم الإجتماعية كالتعاون والسلام والمصالح الإجتماعية مثل مجانية التعليم ومجانية التأمين الصحي للجميع وتحديد ساعات العمل وحد أدنى للأجور والتأمين الإجتماعي للمحتاجين وغيرها، وقد دفع اليساريون من أجل كل منها وفي معظم البلدان، دماءاً غالية، في صراع مرير بدأ قبل ولادة ماركس بزمن طويل.
أما اليمين فيركز على القيم الفردية كالتنافس وتحقيق الأرباح القصوى وتقديس الملكية الفردية وإعطاء الأثرياء حرية التصرف بأموال المجتمع ومقدراته وامتلاكهم لمفاصل السلطة فيه. وبما أن "الشرف" مفهوم إجتماعي، من المفاهيم التي وضعها المجتمع لتشجيع تصرف معين يراه في صالحه وردع تصرف آخر معاكس يراه ضاراً له، فلا يمكن تعريف “الشرف” فردياً. إن شخصاً يعيش حياته منفرداً على جزيرة، مثل روبنسون كروزو، لن يعرف ما يفعله بمثل هذه الكلمة، وكيف يستعملها ليميز الصحيح من الخطأ بالنسبة له، بينما لو عاشت على هذه الجزيرة مجموعة من الناس، لوجدت في تلك الكلمة أداة ثمينة لها ولتمكنت من استخدامها لتثبيت كل ما يساعد المجموعة على البقاء، وصار "الصدق" "شرفاً" و "العمل الجماعي" "شرفاً" و "أداء الواجب" (تجاه المجموعة) "شرفاً" و "مساعدة المحتاج" “شرفاً” ..الخ.
تحديد اليسار
ولأجل تحديد ما نقول ونتمكن من تبيان العلاقة الإستثنائية بين "شرف" المرء ومقدار "يساريته" كما يشير عنوان مقالتنا، يجب أولاً أن نحدد المقصود بكل من "اليسار" و "الشرف" وهما كلمتان شائكتان بالتأكيد. كيف نحدد اليساري؟
اليسار الكاذب
في عالم تسيطر فيه رادارات التشويش الأمريكية والإسرائيلية على "الإعلام" في عالمنا ، يجب أن لا ننتظر جواباً سهلاً! لننظر إلى هذه الأسطر للكاتبة المصرية إكرام يوسف في مقالتها " مسميات ثورية بنكهة المارينز"
“في بواكير شبابنا، كانت الأمور أكثر وضوحا ، والأسماء تساوي بالضبط مسمياتها: الحليب حليب، وعصير الفواكه عصير فواكه. ثم أخذت الأمور تختلط تدريجيا: عرفنا الحليب بطعم الفاكهة! و الفواكه المهجنة بفعل الهندسة الوراثية، فذقنا الخوخ بطعم البرقوق، والفراولة بطعم البطاطس أحيانا، والخيار أحيانا أخرى! وشيئا فشيئا لم تعد الأسماء تعبر بدقة عن مسمياتها. وظل الأمر في حدود المقبول طالما لم يخرج عن تجربة مذاقات جديدة في المأكولات والمشروبات.... وبالمثل، كنا قديما نعرف من هو اليساري، ورغم اختلاف تيارات اليسار الماركسي المصري، إلا أنك كنت تستطيع أن تحدد ثوابت اليساريين، فلم تكن تجد يساريا ـ مثلا ـ يدافع عن التطبيع مع الكيان الصهيوني من دون حل القضية الفلسطينية ”(1)
تشويه اليسار واليسار الجديد المنافق
قال أحدهم ساخراً من المحاكم العسكرية: "إن علاقة المحاكم العسكرية بالمحاكم، كعلاقة الموسيقى العسكرية بالموسيقى"، ويمكننا أن نقول أن علاقة اليسار الجديد باليسار، كعلاقة الليبراليون الجدد بالليبرالية: لا توجد أية علاقة ، إلا علاقة اللفظ!
فما لا يستطيعون تشويه اسمه وإعطائه معنى كريهاً ليهرب منه الناس، يحاولون سرقة اسمه وتغيير معناه ليعطي الناس دون انتباه، احترامهم لهذا الإسم إلى محتوى آخر كريه يناسب السلطة. أصبح الحوار المتمدن الملجأ الدافئ ليس لكل الليبراليين الكارهين لكل ما هو يساري فقط، ولكن أيضاً لكل اليساريين الذين تعبوا من يساريتهم وبدأوا يبحثون عن تبرير أكثر “كرامة” من الإعتراف بهذا التعب (المشروع)، والطريق المتاح أمام هؤلاء هو الهجوم على اليسارية الحقيقية وكل ما له علاقة حقيقية بها، مع الإبقاء على الأجزاء والشعارات الهامشية أو المرنة التي لا تصطدم مع الرأسمالية المخيفة، للإيهام بأن من يسير تحت هذه الشعارات، يساري حقاً.
مثل ذلك الموقف من الدين، والذي صار كأنه الشعار الوحيد للكثير من هؤلاء اليساريين السابقين "التائبين"، إضافة إلى الأهداف القليلة التي يشتركون فيها ولو شكلياً، مع الرأسمالية، مثل "تحرير المرأة" و الحريات الشخصية مثل حرية المأكل والمشرب والملابس ..الخ . وهي مراوغة تذكر بمراوغة رجال الدين الذين يختارون من الدين للتطيبق، ما لا يكلفهم مصالحهم، فلا يعودون يرون منكراً في الحياة سوى شرب الخمر! ولا بأس أن تستمر السرقة ويزداد التفاوت الإجتماعي بل وليزدد عدد العاهرات إن تطلبت مصلحتهم التغاضي عن ذلك. ومثلما تزداد لدى هؤلاء المراوغين من تجار الدين والمتدينين مظاهر العداء للخمر دون غيرها تطرفاً وحدة وشراسة، لكي تعوض عن إهمال هؤلاء لمبادئ الدين الأخرى، فأن اليسار الخانع الخائف والمخترق حتى الرأس، يراوغ ويناور ويتحجج ليتناسى كل ما يجعله يصطدم بالرأسمالية يتفرغ للهجوم على الدين (الإسلامي بالذات، الذي تهاجمه الرأسمالية اليوم - بالصدفة؟!) تفرغاً شبه تام، ويغازل ويتحالف مع كل ذيولها ويضع نفسه تحت مضلة السفلة الأكثر قرباً منها! وإن تجرأ نفر من اليسار ليقف مع مبادئه بشكل ما، فأن الف ضبع يخرج له من جحور مواقع الإنترنت المدسوسة التي تنشر إعلانات الموساد، ليردعه "عن غيه"، داعياً إياه للإستسلام للرأسمالية والتركيز على محاربة الدين، ساخراً من "ممانعته" ومؤكداً له أن الإستعمار ليس مسؤولاً عن التخلف العربي وأن الأوان قد آن "لطي صفحة اليسار القديم بشعاراته وقياداته ، ولإعادة الاعتبار للقيم اليسارية "الحقيقية"!!..." (2) وتوظف هذه المواقع المتآمرين من اوسخ مهابط اليمين ليلبسوا لباس اليسار وينشرون ما كتبه لهم خبراء السي آي أي والموساد، ودون حتى أن يقرأه، من "تفنيدات" فارغة تسهم في دفع اليساري المتعب بعيداً عن مبادئه وتؤكد له أنها لم تكن سوى "خطأ كبير" وأن الزمن قد تجاوزها، مثلما هي كتابات طارق حجي في موقع الحوار المتمدن الذي يحظى فيه بموقع متميز! (3)
ويكتب طارق حجي، إضافة إلى سيل من الكتب، حيث يطبع عدة كتب في نفس الوقت (!)، مقالات مطولة جداً ومليئة بالتفاصي، يستحيل لأي إنسان ان يكون قد كتبها، بل يصعب أن يكون قد قرأها. وتوحي المقالات وحجمها بأنها تحتوي على مادة حقيقية وتحليل، لكنك حين تراجع الأمثلة التي يطرحها للاعتراض على ماركس، كما في مقالته اعلاه مثلاً، تكتشف سطحية مثيرة للدهشة وقلة اطلاع (أو مراوغة) لا تنسجم مع حجم المقالة. وقد رددت على تلك المقالة سابقاً في مقالتي(4)
لكن الرد اليساري على طروحات أمثال طارق حجي، ضعيف وقليل، وحين لا يقدم اليسار رداً يدافع به عن وجوده، تذهب الوقاحة في هذا الفريق المدفوع الثمن إلى حدود تعبر الخيال، فلا يتردد أن يطالب اليسار ليس فقط بقبول الرأسمالية ومظالمها، بل بضرورة أن يسارع اليسار ذاته إلى الدفاع عنها أيضاً والسعي لإنقاذها من أزماتها بكل ما يستطيع، مدعياً أن ذلك من أجل مصلحة الشعوب ذاتها! (5)
إن هذا الحال يسهم في تصوير اليسار بأنه خاسر ومعترف بخلله، ويبعد الناس عنه، ويترك الساحة لما نسميه "اليسار التائب".
اليسار التائب يدعي أنه "ينتقد" من أجل "تجديد" اليسار وتطويره، وهذه ثيمة هذا اليسار في العراق ومختلف الدول العربية وربما في العالم لكننا لا نريد اتهام كل ناقد لليسار بأنه مدفوع يهدف إلى تحطيمه، فكيف نميز الناقد الحقيقي الهادف إلى التطوير، عن "اليسار التائب" والضباع المدفوعة الثمن؟ ليس الأمر صعباً، فعندما "تنتقد من أجل التطوير" فأن هذا يعني أنك مازلت تؤمن بصحة المنطلق بالخط العريض، وترى نفسك منتمياً إليه، إلا أنك تمتلك ملاحظات معينة تود تطويرها فيه. وهذا يعني أنك ترى الصحيح فيه أكثر من الخطأ، وأن عواطفك معه، وهذا يعني أنك ستكتب في امتداحه والدفاع عنه أكثر مما ستكتب في انتقاده! لكننا لو راجعنا ما يكتب امثال "محمد علي مقلد" من نقد(6) فلن نجد ما يقابلها من مديح متوقع ودفاع، بل أني لا أذكر أن طارق حجي قد كتب كلمة دفاع واحدة عن اليسار الذي يدعي الإنتماء إليه والإيمان به والسعي لتطويره، فكيف يبقى المرء منتمياُ إلى اتجاه لم يعد يجد فيه ما يمتدحه؟ إن تلك الإدعاءات ليست إذن سوى أكاذيب مفضوحة وأقنعة كاذبة يلبسها اعداء مدفوعي الثمن، الغرض منها النيل من اليسار وتحطيمه وليس تطويره أبداً!
تعريفنا لليسار
حتى هذا الدعي إلى انقاذ الرأسمالية، يكتب باسم اليسار، فكيف نميز اليساري إذن في هذه الغابة من رادارات التشويش؟ طرح أحد الأصدقاء مرة هذا السؤال، وعن الطريقة الأمثل والأبسط لتحديد اليساري، فكان جوابي: إن كان يتحدث عن تحديد الحد الأدنى للأجور ورفعه، وعن التقاعد والتعليم المجاني والرعاية الصحية المجانية، فهو يساري، وإن كان يكثر الحديث عن الإستثمار والخصخصة و "الإصلاح" الإقتصادي، فهو يميني، مهما كان موقفه من الأمور الأخرى.
أي أن اليساري هو من يهتم حقاً بمصالح المجتمع، أما اليميني فيهتم بمصالح الأثرياء (دون ان يعترف بذلك صراحةً) ويعطيها الأولوية على حساب المجتمع، آملاً أن يؤمن من خلال ذلك مصالحه الشخصية (مرة أخرى: دون أن يعترف بذلك). إنه يريد تهيئة البيئة الإجتماعية المناسبة لإنتعاشه الشخصي ويرى في ترويج مبادئ حرية المنافسة فرصته لتجميع الثروات والسعادة، وهو مستعد أن يغمض عينه من أجل ذلك، عن آلام الأخرين في المجتمع الذي يعيش فيه، ويتهرب منها بحجج مختلفة معدة مسبقاً من قبل من تم تكليفهم بهذه المهمة من اقتصاديين وفلاسفة وكتاب وإعلاميين. فمنذ أيام آدم سميث، كانت الشركات المختلفة تؤجر "الإقتصاديين" ليروجوا في المجتمع ما هو في صالحها، فترى هذا يروج لحرية السوق والآخر للحماية وهكذا. ولم يتغير الأمر كثيراً منذ قرون، ولذلك فأن التراث الإقتصادي البشري اليوم يتكون في معظمه من مجموعة من الأحاييل والخدع اللفظية، التي تسعى إلى إقناع المجتمع أن صالحه هو صالح لصوصه الأثرياء.(7) هل حقاً ان اليساري يجب أن يعتبر الدين والمتدينين (الإسلاميين بالذات) العدو المباشر له، وأن هناك طريقاً للتصالح مع الرأسمالية؟ إن المراقبة الدقيقة للتاريخ ترينا أن الدين، رغم تناقضه أحياناً مع اليسار، إلا أنه يسير في بعد مختلف عنه وليس نقيضاً له، وأن في الدين يسار ويمين كما في المجتمع المدني. لنأخذ مثالاً من الإسلام والمسيحية على ذلك.
اليسار واليمين في الدين والعلمانية
في كتابه "اليمين واليسار في الإسلام"( يذكر الأستاذ عباس أحمد صالح : "اليسار الذي نقصده في الإسلام هو الذي يتجه إلى رفع الجور عن الفقراء والمستضعفين والمساواة بين أبناء المجتمع الواحد في الحقوق والواجبات، أي باختصار هو النزعة الإشتراكية في الإسلام". وينبه أن "الذين وقفوا بعداء أشد من الدعوة الإسلامية هم الأغنياء" وأن جوهر الإسلام اشتراكي..."الإسلام ثورة إنسانية شاملة على المظالم الإجتماعية وحقوق الملكية المقدسة واستبداد الطبقات القوية"، منبهاً إلى أن "القرآن حرم الأعمال المصرفية". ويذكر الأستاذ صالح العديد من رجال "اليسار الإسلامي" في التاريخ، مثل الإمام علي، كما أعتبر عمراً وأبا بكر ذوي نزعة إشتراكية، بسبب دفاعهم عن حقوق الفقراء، رغم انتمائهما السابق إلى الموسرين قبل الإسلام. وبالمقابل فهناك المثال الواضح في معاوية من الذين ينسبهم المؤلف إلى اليمين، والذي يمثل النزعة الأنانية الفردية التي يصعب أن نميز فيها الشرف الإجتماعي الذي نجده في اليسار.
ولا نحتاج في المسيحية إلى العودة كثيراً في التاريخ لتبيان يمينها من يسارها. فيمكننا بسهولة تامة أن نميز الشرف اليساري في القس البرازيلي كامارا الذي قال قولته المشهورة: "عندما أعطي الفقراء الطعام، يسمونني قديساً، وعندما أسأل: لماذا هم فقراء؟ يسمونني شيوعياً"(9) ولد كامارا، قس أحياء الصفيح في ريو دي جانيرو، عام 1909 وتوفى عام 1999، ولم يكن شيوعياً ولا حتى يسارياً ثورياً، بل أنه أدان كل من اليمين واليسار للجوئهما إلى العنف، لكنه وقف إلى جانب الفقراء وضد الظلم وكان هذا الموقف الإنساني الشريف كافياً لأعدائه لكي يروا فيه تلك "اليسارية" التي تسعى إلى حل مشكلة الفقراء بشكل جذري، وليس بالصدقات، والتي أسموها "شيوعية"..رغم أنه كان مسيحياً عميق الإيمان بالله. وقد أسهم في دفع الكنيسة الكاثوليكية في أميركا الجنوبية إلى اتخاذ جانب الفقراء، وقتل نتيجة لذلك عدد كبير من القساوسة على ايدي الدكتاتوريات التي تخرجت من "مدرسة الأمريكان" الأمريكية، ودعمت من قبل الحكومات الأمريكية، وبشكل خاص حكومة ريكان. وفي الطرف المقابل كانت الكنيسة الكاثوليكية في روما، والتي كانت طيلة تاريخها تسبح في الثراء "اليميني"، تتآمر على قساوسة فرعها في أميركا الجنوبية مع أشد الوحوش قساوة، رغم أن الجانبين ينتميان إلى إيمان واحد، أو هكذا يدعيان. وبالطبع فإننا نجد ذلك الشرف اليساري الإجتماعي في اليسار الكلاسيكي العلماني، وصراعه من أجل تحديد ساعات العمل والحد الأدنى للأجور للناس، كما كتبت في مقالتي التي نشرتها قبل عامين: “الصراع من أجل 8 ساعات” (10)، وجاء فيها: "اليوم لدينا قوانين تحدد عدد ساعات العمل، والحد الأدنى للأجور، لكن هذه لم تأت من نفسها، بل من خلال صراع مرير طويل مليء بالمآسي لمن رفض الإستغلال البشع وضحى من أجل ذلك. ولعلكم لا تعلمون أن قوانين العمل الأولى لم تكن قد وضعت حداً أدنى للأجور، وإنما "حد أعلى" لها!! فلم يكن مسموح حتى لصاحب العمل أن يعطي العامل أجراً عالياً خوفاً من أن يؤثر ذلك على بقية العمال في المصانع الأخرى. والغريب أنه في حالة مخالفة ذلك القانون فأن العقوبة الأشد كانت تقع على العامل الذي قبل بأجر أعلى من أجره المحدد! ....واليوم تهتز الشوارع مرة أخرى تحت أقدام المحتجين على ما اوصلت الرأسمالية العالم إليه من فوضى وفوارق هائلة في المال وحروب مدمرة لا نهاية لها، لأنها جزء من منظومة الرأسمالية الإقتصادية."
وكذلك يمكننا أن نرى ذلك الشرف واضحاً في معاني كلمات أغاني مغني البيتلز الراحل جون لينون، الذي تم اغتياله في الثمانينات في أميركا، لمواقفه اليسارية التي ازعجت الوحوش اليمينية" (6) ، مثل أغنيته "بطل الطبقة العاملة" الرافضة للإنتماء للوحشية، والتي تقول.(11)
“هناك فسحة في القمة” يقولون لك لكن إن أردت أن تكون مع الذين على التل فعليك أن تتعلم الإبتسام وأنت ترتكب القتل"
هذا الشرف الإجتماعي الذي لم نعد نجده في بعض اليسار الذي تخلى عن مبادئه وصار يبحث عن ترضية للرأسمال، يمكننا أن نجده واضحاً لدى رجل دين "متعصب" في إيمانه. فاستناداً إلى تعريفي لليسار أعلاه، فقد كتبت في مقالتي " وداعاً أيها اليساري نجاد – 1- صديق شعبه"(12) "وعلى هذا فإنني أنصب أحمدي نجاد بكل اعتزاز كقائد يساري بامتياز! ". فنجاد الذي حافظ على صدقه ومبدئيته وإنسانيته وبساطته حين صار رئيساً لإيران، كما يشرح هذا الفلم بعض تاريخ الرجل، (13) يحمل بلا شك "شرف" اليسار بوضوح. فقد وضع الرئيس نجاد على الطاولة جرداً بممتلكاته عند استلامه الرئاسة وكانت عبارة عن بيت صغير في أحد أحياء طهران الفقيرة (14) وسيارة بيجو موديل 1977(15) والتي باعها فيما بعد وتبرع بمبلغها لأعمال خيرية. وبقي نجاد بعد استلامه الرئاسة يعيش في منزله الصغير، وإشترط على كل وزير يتعين لديه أن يقدم كشفاً بممتلكاته، وأن لا يخرج من الوزارة أغنى مما دخلها! ويكتب الصحفي البريطاني “فسك” أن نجاد قدم سلسلة قوانين لدعم الفقراء والعمال شملت مخصصات تقاعد حتى للنساء اللواتي كن يحكن السجاد في بيوتهم في القرى النائية! وبالمقابل فقد حارب النظام اليميني الفاسد الذي ورثه من تجار البازار الذين حكموا إيران قبله في ولايات رفسنجاني وخاتمي (وعادوا في ولاية روحاني)، ووجه سهامه المدافعة عن حقوق الفقراء في ثروات بلادهم، إلى النظام المصرفي ونظام الضرائب وغيرها، وحارب من أجل دعم المواد الأساسية من وقود وماء وغذاء وكهرباء مثيراً غضب صندوق النقد الدولي ومريديه من تجار إيران، والذي كان قد هلل لسياسة خاتمي المتجهة إلى اقتصاد السوق (16) وتلقى نجاد من شعبه من الحب ما لا يلقاه إلا اليساريون من أمثاله فهاهي إمرأة كبيرة السن تؤكد له أنها تحبه أكثر من نفسها، وأنها كانت معه (في قلبها) في كل محافظة قام بزيارتها، وقالت له أنها تدعي له بالموفقية في كل صلاة لها لأنه كان ينفذ وعوده للفقراء،" ......قالت له: "في خطبة لك في السنة الماضية قلت أنك تشعر أنك وحيد...أقسم بـ "علي" إنني لم أنم تلك الليلة!: قلت يا إلهي هل متُّ أنا ليشعر أنه وحيد؟ ".. "أنا موجودة، وسأقتل نفسي لأجمع الناس حولك، وبقدرة الله سوف أراك تنجح" (17) هل يمكن ليميني أن يحلم بمثل هذا التقدير؟ إنهم لا يهتمون بذلك على أية حال.
وفي كلمة أحمدي نجاد للجمعية العامة للأمم المتحدة (18) تحدث عن ما يقف بين الإنسان وبين طموحاته نحو حياة أفضل، والفجوة بين الأغنياء والفقراء والإقتصاد الإستهلاكي والديون والفقر وانتهاك البشرية وتحطيم آمالها، والإستخدام التبديدي لثروات الأرض، ودعى المجتمع إلى تخيل عالم افضل خال من تلك المنغصات وكيف ستكون الحياة سعيدة. وكذلك استغلال المرأة وتحطيم العلاقات العائلية ونشر المعايير المزدوجة والحروب، والرأسمالية التي خربت البيئة البشرية ووصلت إلى طريق مسدود. قال أن البعض يحاول أن يصور هذه الأوضاع الشاذة على انها طبيعية ويلقي بمسؤوليتها على الإرادة الإلهية وعلى الشعوب، لكن الشعوب ليس لديها مشاكل مع بعضها البعض. وقال أن البشر لا يستحق مثل هذا الوضع، وأن الله لا يرضى بذلك. وأخيراً تحدث عن عودة المهدي المنتظر إلى جانب المسيح لينشر العدالة والمحبة والحرية بين أبناء البشر. وقد رد باراك على هذا الخطاب بوصفه "الخطاب المجنون"، (19) فمن منهما المجنون من وجهة النظر الإنسانية ومن العاقل؟ من منهما "الشريف" الذي يمكننا أن نفخر به كبشر، ومن هو "المنحط" الذي نخجل منه؟
اليساريون أخوة متشابهون
ما أشبه قلب نجاد وهو يدعو المجتمع إلى "تخيل عالم أفضل، خال من المنغصات وكيف ستكون الحياة سعيدة"، لو تخلص من نير الرأسمالية، بقلب جون لينون وهو يغني:
تخيل...عالم بلا ممتلكات أتراك تستطيع ذلك؟ عالم خال من الجشع والجوع عالم اخوة البشر تخيل ان جميع الناس... تشترك في جميع العالم...(20)
يمكننا أن نلاحظ الشبه الذي يجمعهما رغم الفوارق الكثيرة بينهما، ورغم أن نجاد سيرفض إلحاد لينون ورأيه بالدين، ويرفض الأخير معتقدات نجاد الدينية، فهو شبه لا تخطئه العين، وهو خيط "الشرف اليساري" الإثري، الذي يركز على الآخرين وعلى العدالة، وعلى الإستعداد للتضحية من أجله، والذي تشترك فيه أرقى ما أنتجت البشرية من نماذج خلوقة! أليس من السخرية ان يخجل جيفارا أمام جورج بوش مثلا؟؟
على اليسار إذن، أن لا يتردد في الدفاع عن مبادئه التي تستحق ان يفتخر المرء بها، بوجه الضباع التي تسعى لتشويهها، وأن يكون اليساريون ممثلين نجباء لها قدرما يستطيعون، لعلهم يستحقون لقب تمثيلها ووسام الشرف الذي تعلقه على صدورهم، ففي السياسة شرف واحد هو أن تكون يسارياً- لا مجاملة في ذلك! كذلك عليهم أن يتعلموا التعرف على بعضهم البعض، ومن خلال خيط الشرف الإجتماعي التضحوي المميز لهم، سواء كانوا مؤمنين ملتزمين أو علمانيين او ملحدين، مسيحيين أو مسلمين أو يهود أو في أية ديانة أخرى، ومهما كانت قوميتهم وانتماءاتهم الأخرى. على اليساري أن لا يخجل من أن يرى أن الإسلامي أحمدي نجاد أكثر يسارية من معظم قيادات الأحزاب الشيوعية العربية، وأن يعلن رأيه بذلك صراحة. وعليه أن يميز أيضاً اليسار الكاذب والتائب المتحجج بالنقد والتطوير، والذي يكشف نفسه بالإمتناع عن أي امتداح لليسار الذي يدعي الإنتماء إليه أوالدفاع عنه، ويكتفي بـ "جلده" بالنقد دائماً. وأخيراً على اليساريين أن يختاروا أصدقاءهم وأعداءهم، وأن لا يتركوا للإعلام الشبوه أن يحدد أولوياتهم وأهدافهم ومعاركهم وأن يفعلوا ذلك بأنفسهم، وعلى هذا الأساس قبل غيره.
في الجزء الثاني من المقالة سنتحدث عن "ثمن الشرف" الذي توجب ويتوجب على شرفاء اليسار دفعه..
(1) إكرام يوسف - احذروا.. إنهم يحرفون البوصلة! مسميات ثورية بنكهة المارينز: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=167277 (2) محمد علي مقلد - اليسار الممانعاتي http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?ecom=1&aid=376099#492535 (3) طارق حجي : من المؤلفات الأولي : الإقتصاد الماركسي http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=167950 (4) صائب خليل: رد على انتقادات طارق حجي لماركس http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/13haji.htm (5) شريف حتاتة: اليسار وإنقاذ الرأسمالية http://daharchives.alhayat.com/issue_archive/Hayat%20INT/2009/2/28/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%95%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D9%94%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9.html (6) محمد علي مقلد - من هو اليساري؟ http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=333482 (7) صائب خليل - فائض القيمة يطارد اقتصاد الإحتيال http://saieb.blogspot.com/2014/08/blog-post_10.html ( اليمين واليسار في الإسلام http://www.ao-academy.org/docs/al%20yameen%20wal%20yasar%20fee%20al%20islam%20by%20ahmad%20abbas%20salih%200603009.pdf (9) `Bishop of the slums' -- Dom Hélder Camara and Brazil's church of the poor http://links.org.au/node/1151 (10) صائب خليل: الصراع من أجل 8 ساعات http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/we32.pdf (11) Working Class Hero - John Lennon https://www.youtube.com/watch?v=cFdVhDdDK9A (12) صائب خليل: اليساري نجاد وداعاً 1- صديق شعبه http://almothaqaf.com/index.php/qadaya/75833.html (13) من هو الدكتور أحمدي نجاد؟ https://www.youtube.com/watch?v=XM-7PthdXYs (14) بيت احمدي نجاد https://www.youtube.com/watch?v=CCxWNxg4yCk (15) سيارة أحمدي نجاد البيجو 504 موديل 77 https://www.youtube.com/watch?v=LpSCQsduyRo (16) Selling Iran: Ahmadinejad, Privatization and a Bus Driver Who Said No http://socialistwebzine.blogspot.be/2009/07/selling-iran-ahmadinejad-privatization.html (17) المرأة التي أبكت نجاد https://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=XM-7PthdXYs#t=493s (18) خطاب الرئيس أحمدي نجاد في الأمم المتحدة 26-09-2012 https://www.youtube.com/watch?v=N5qqigW6nG0 (19) باراك يرد على خطاب نجاد https://www.youtube.com/watch?v=aySgU2xPbFw (20) اغنية جون لينون: "تخيل" https://www.youtube.com/watch?v=f18iq21EamE
النقطة المركزية التي أريد إيصالها عن الفرق بين اليمين واليسار فيما يتعلق بالإقتصاد، أن ذلك الفرق ليس نظرياً أو علمياً في أساسه، بل هو "فرق مصالح" بين الأثرياء وبين المجتمع، وبالتالي فالموقف منه يمثل "فرقاً أخلاقياً"، رغم أن اليمين يبذل جهدا كبيرا جداً للإيهام بالعكس. فلو كان ذلك الفارق يتجلى بمقارنة إنتاجية السياسة الإقتصادية اليمينية (حرية السوق والخصخصة والرأسمالية عموماً) واليسارية (القطاع العام والحكومي والتعاوني والإشتراكية عموماً) لكان علمياً ونظرياً. ورغم ان هناك فارقاً من هذا النوع بين الأثنين، لكن الفرق الأساسي هو في أين يذهب ذلك الناتج، وإلى أية جيوب تذهب الأرباح وكيف يتم تقسيمها بين الجهات المختلفة المشاركة في عملية الإنتاج والسيطرة عليها. ولأن الفارق الأساسي هو من هذا النوع، فأن الصراع بين الطرفين صراع عنيف ودموي، يميز صراعات المصالح وليس الصراعات بين النظريات العلمية البحتة التي يمكن حلها بالحسابات أو التجارب. فلا يمكن أن تثبت للعامل "علمياً" أن الأرباح يجب أن تذهب إلى الرأسمالي، ولا العكس، وبالتالي فأن الجدل الذي يطرح في الإعلام حول أهمية الخصخصة وحرية السوق، جهد إحتيالي في أغلبه، يهدف إلى إقناع الناس بالتخلي عن معظم حصتها من ثروات بلادها للأثرياء والأجانب.
أخلاقية اليمين وخطرها على البلاد
في مقالتي" لماذا مصالح الفقراء دائماً بالآجل؟" والتي نشرتها في شباط 2012 تجميع لعلائم السياسة الإقتصادية للحكومات العراقية منذ الإحتلال، أي بعد ثمان سنوات من ثروات هائلة كانت تصب في البلاد، تبين أن كارثة سياسة حرية السوق الإقتصادية التي فرضت على الشعب في دستوره الذي لم يستشر فيه ولم يطلع عليه، وكذلك السياسة الأمريكية للحزب الجمهوري، الهادفة إلى عدم السماح ببناء طابوقة واحدة في البلاد، وتوجيه ثرواتها لعملائها في كردستان ولصوص بغداد. جاء في المقالة: "يتعجب صادق حسين الركابي، كيف يمتلك شعب عشرات المليارات في خزانته، ورغم ذلك يبقى العراقيون "أغنياء تحت خط الفقر."؟ (1) لكن الصورة تتوضح شيئاً فشيء، والعجب يزول تدريجياً. ليست فقرة "مساكن الفقراء" هي السابقة الأولى من نوعها التي يصوت ضدها أو توضع على "رف الآجل"، ولم تكن الكهرباء هي الأولى ايضاً، بل يبدو أنها القاعدة العامة للتصرف بأموال الدولة، وأن مصالح الفقراء دفعت دائماً إلى "آجل" غير مسمى. ولولا ذلك لما وجدنا 7.6 مليون عراقي بدون مياه صالحة للشرب (2)، ولا جلس التلاميذ في مدارس الطين التي بلغت الألف مدرسة في العام الماضي، ومازالت تتكاثر، يعانون الحر الشديد في الصيف، وفي الشتاء ينقلون المدافئ القليلة بين الصفوف والإدارة، لكي لا يتجمد أحد من البرد (3)، ولا عاش "اكثر من نصف الشعب العراقي ... بأقل من “نصف بقرة” اوروبية!" (4)، ولا أضطر بعض العراقيين أن يبيع أعضاءه (5)، أو تصل الحالة بأب أن يبيع إبنه أو آخر أن يلقي به في النهر لشدة العوز! في ثاني بلد في إحتياطي النفط، وبعد سبعة سنين من ديمقراطيته (6). في هذه الأثناء، كان وزير المالية باقر جبر الزبيدي يعلن أن العراق وقع اتفاقا مع الوكالة الدولية لحماية الاستثمار يقوم البنك الدولي بموجبه برصد 17 مليار دولار لحماية المستثمرين في العراق من "أية إجراءات تعسفية محتملة." وطبيعي أن البنك سيقوم باستقطاعها من العراق لاحقاً! فمن الذي قرر ان يعطي الإستثمار 17 ملياراً وأن الناس لا يستحقون أكثر من ثلاثة؟ هل انتخبه الشعب، أم "الإستثمار" يا ترى؟ (7)
قبل ثلاث اعوام تقريبا قال علي الدباغ، الناطق باسم الحكومة العراقية أن "عدد الأيتام في العراق يفوق قدرات الدولة العراقية!" ومن الطبيعي أنه يقصد أن "قدرات الدولة العراقية" بعد استقطاع المصروفات الباذخة والرواتب الضخمة والسيارات الغالية والسرقات الكبرى، فأن "عدد أيتام العراق" سوف يفوق ما يتبقى من قدراتها! كتبت حينها في مقالة لي بعنوان "قدرات الدولة وأيتامها"، وشبهت حالة الشعب العراقي بالشعب المصري تحت حكومته السابقة التي ولا تجد المال اللازم لسكن أبنائها سوى المقابر لأنه "يفوق قدرتها" أيضاً، لكن دعم إسرائيل من تصدير الغاز المخفض بمقدار 13.5 مليون دولار في اليوم، لا "يفوق قدرتها". ( إن الإتجاه الحالي للساسة العراقيين بمختلف كتلهم هو الإتجاه الذي فرضه ويباركه الإحتلال الأمريكي ويزيد من فرص صاحبه للصعود في منظومة اللصوصية المنظمة والمقنونة لتدمير اقتصاد البلاد، وتقف بالتالي بالعكس من مصالح الشعب العراقي تماماً. فهناك تسابق واندفاع يكاد يكون جنونياً نحو الإستثمار وإطلاق حرية السوق الوحشية والتبذير في استخراج وبيع النفط وكانه قذارة يجب التخلص منها بسرعة، وبلا اي تخطيط ولا اي حساب لما يحتاج إليه البلد وما يستطيع أن يستخدمه من امواله. مخططي الإقتصاد العراقيون، (إن وجدوا) يخبرونا أنهم "يخططون" للوصول إلى 12 أو 14 مليون برميل في اليوم، لكنهم لا يخبرونا لماذا يريدون ذلك. المهم أن نغلب السعودية في تبديد ثروات بلدنا لندخل مقياس جينيس. من المتوقع أن يستمر نهج السياسة الإقتصادية لرئيس الوزراء المنحى نوري المالكي الذي كتب في مقالة له في الواشنطن بوست قبل بضعة سنين انه يعمل "من اجل تحطيم الحدود التي تعيق الاستثمار من اجل ان تكون هذه الرؤية واقع حقيقي، وانا اعمل باجتهاد مع هيئة الاستثمار لضمان حق المستثمر الأجنبي، من اجل خلق بيئة مناسبة تساعد على قيام الاستثمار" (9). ماذا عن حق العراقي في "بيئة مناسبة" لحياته؟ ما الذي تم عمله من أجلها؟ يجب أن يدرك الشعب أن هذا الإتجاه مؤسس بضغط الشركات العالمية، وأن لا مصلحة له إطلاقاً في مثل تلك السياسة. فهل يجب أن نفرح لأن "بورصة العراق تتصدر تداول الأسواق المالية العربية" (10)، في الوقت الذي تعلن فيه وزارة التربية العراقية، عن إيقافها مشروع التغذية المدرسية المقرر تطبيقه للمدارس الابتدائية للعام 2012 ، والذي يتضمن قطعة بسكويت وقدح حليب وقطعة فاكهة، بسبب قلة التخصيصات المالية للوزارة؟(11) لقد شبه عبد الزهرة المنشداوي في مقالة له في المدى الفوارق بين رواتب المسؤولين ورواتب الناس، بالذي (يأكل بين عميان)، فيستغلهم بلا رحمة أو ضمير (12)، وهذا هو الحال كما يبدو. لذلك فعلى الناس أن "تفتح أعينها" إن أرادت الأكل من وليمة الميزانية، وإن أرادت لأطفالها أن تتعلم وتنمو بشكل سليم، فالأمر لا يتعلق بالفساد وحده، بل هناك مؤامرة مقصودة هدفها عدم السماح ببناء طابوقة واحدة في العراق. عليها أن تتساءل عن فائدة أي مشروع بالنسبة لها مباشرة، وأن لا تخدع بعبارات لا ناقة لها فيها ولا جمل، مثل النانو تكنولوجي والبورصة والإستثمار وحرية السوق وصندوق النقد الدولي والخصخصة، فليست هذه إلا عبارات منمقة لأدوات لصوص أخترعت لتنظيم سرقة ثروات الشعوب قبل ان تبني بها بلدانها.
http://media2.afsaran.ir/siEg4pm_535.jpg
كل هذه الحقائق نقلت من بلد ينعم بثروة هائلة ويسيطر عليه اليمين تماماً لعقد من الزمن. فدولة الإحتلال يمينية مؤمنة بالخصخصة وتعبد حرية السوق، والشروط التي وضعتها لتقليص الديون الفاسدة تستهدف تقيد البلاد بذلك الخيار، والدستور الذي وضعته يثبت ذلك “الدين” نهائياً في البلاد، وجميع الساسة اللاهثين وراء رضاها يهتفون بحرية السوق وكل الإعلام الذي دفعت ثمن تأسيسه يكرر "قيمه" على مسامع وأبصار الناس بلا كلل، وحتى اليسار في البلاد قد تزيف في معظمه وصار يتملق حرية السوق. لذلك فاليمين وسياسة حرية السوق الرأسمالية هي المسؤولة وحدها عن كل هذه النتائج وكل هذا الفساد المتزايد الذي يعم البلاد. اليمين لا يسعه الإعتراف بهذه الحقيقة، بل يدعي أن الطريق لبناء اقتصاد الدولة هو في "حرية السوق". وهذا إدعاء كاذب تماماً لم تفنده كل تلك الحقائق في العراق وحده، بل تفنده كل تجارب التاريخ، فكل الدول التي تنادي اليوم بحرية السوق قد بنت اقتصادها على أسس حمائية في البداية على الأقل، وهي تستمر بها بشكل سري اليوم ايضاً. لقد تحدى البروفسور جومسكي أن يقدم أحد له مثالاً واحداً عن بلد تم بناء إقتصاده عن طريق حرية السوق، فلم يجد من يقبل تحديه! كلها بنيت بالحماية، على مدى التاريخ، من بريطانيا وأوروبا إلى أميركا إلى نمور آسيا واليابان والصين، فلماذا يطالبون العراق أن يبني صناعته بحرية السوق؟ إن من يقول بحرية السوق والقطاع الخاص، لا يريد لبلاده وشعبه الخير.
حرية السوق ليست خياراً إقتصادياً للشعب بل طريقة لنهب ثروته. يجب أن نواجه هذه الحقيقة وننتهي من الآمال المزيفة المعلقة عليها. وهذا صحيح بشكل خاص في العراق حيث لا يوجد أي انتاج في هذه الفترة الزمنية لكي نناقش زيادته والأسلوب الأمثل له، وكل الثروة هي نتيجة استخراج ثروات الأرض وبيعها، وبالتالي فأن "توزيع الثروة" على الأولويات هو الموضوع الوحيد المطروح للخيارات. إن العدل يقول أن تلك الثروات يجب أن تصرف بشكل ينظمه ويسيطر عليه الشعب (الناس بشكل عام) فتعطى الفئات الأكثر فقراً والحاجات الأساسية للمجتمع مثل الصحة والتعليم الأولوية القصوى، بينما تفضل "حرية السوق" الحديث عن قيمة البورصة ونشاطها وأهمية الخصخصة، وبشكل عام إلى كل ما يهم مصالح الأثرياء وزيادة ثرواتهم ويقف بالضد من المشاريع الأساسية للشعب، كما يؤكد بنك النقد الدولي صراحة.
إن فهمنا حقيقة أن الفرق بين اليمين واليسار أخلاقي وليس علمي في الأساس، نفهم بوضوح أنهما ليسا "خياران" يمكن المقارنة بينهما لشخص له حرية الإختيار، وأن الخيار المنطقي الوحيد، والذي يمثل مصلحة الناس هو الخيار اليساري، وان الخيار الآخر ليس سوى أمر يفرضه اللصوص بالقوة والإحتيال السياسي والإعلامي، وأن الشعب سوف يحصل من ثروة بلاده بقدر نجاحه في مقاومة هذا الإتجاه اللصوصي لثروته. وهذه المقاومة لها جانبان: بالقوة، أي بفرض الخيار اليساري فرضاً، بالإنتخابات والتظاهرات وغيرها، وبالوعي، أي بتوعية الناس لمصالحها ولحقيقة اليمين وما يعنيه، وتفنيد كل الحيل وتعكير المياه الذي يقوم به جيش من "الإقتصاديين" من ضخ التشويه والعبارات المضللة المعقدة التي توهم الناس أن القضية أعقد من أن تستطيع فهمها، وبالتالي أن عليها أن تتركها لهؤلاء المحتالين الداعين إلى حرية السوق.
المجتمع بين "الأخلاق" والقانون، وحرية السوق
ولكي نفهم ما يحدث حولنا، وندرك البعد الأخلاقي للموقف السياسي لابد من العودة إلى الخلف بعض الشيء. لقد اخترع المجتمع البشري "الأخلاق" من أجل حل التناقض بين طبيعة الإنسان الإجتماعية، وحقيقة كونه مدرك لمصلحته الشخصية التي قد تتعارض مع مصلحة المجتمع، وفق هنري بركسون في كتابه: "منبعا الأخلاق والدين". ولا يحتاج مجتمع النمل والنحل إلى "اخلاق" لأن النملة والنحلة لا تعرف مصلحتها الشخصية، وليست بحاجة إلى ما يدفعها إلى العمل من أجل مجتمعها أو التضحية بنفسها دفاعاً عنه. لكن المجتمع يتعرض للخطر كلما صعد في سلم التطور الحيواني، وزاد إدراك أفراده لمصلحتهم الشخصية، فاخترع "الأخلاق" لحماية نفسه. وكلما تطور الحيوان أكثر، زاد وعي الفرد لمصلحته الشخصية، وزادت قدرته على إصابة مجتمعه بالضرر من خلال تفضيلها على مصلحة المجتمع، وازدادت بالتالي الحاجة إلى الضوابط لحماية المجتمع.
لم يعتمد المجتمع على "الأخلاق" وحدها لكي يضمن مصالحه لدى الفرد، فاخترع القانون. لكن القانون لا يستطيع أن يغطي كل جوانب المعركة بين مصالح المجتمع ومصالح الفرد. فبداية، فأن من كتب القانون هم أفراد لهم مصالحهم الخاصة ايضاً، ويمكننا أن نرى اثر تلك المصالح الخاصة حتى في أكثر القوانين أساسية بشكل واضح. فالمصالح الأمريكية وذيولها وأصحاب السلطة، حولت "الدستور العراقي" إلى وثيقة مصالح شخصية مدمرة للمجتمع ربما أكثر مما هي في صالحه. وحتى الدستور الأمريكي ذاته قد وضعته مجموعة من الأثرياء وبشكل يضمن مصالح تلك الطبقة وحمايتها من "طمع" الفقراء الأمريكان، كما برهن العديد من الكتاب في عدد كبير من الكتب والمقالات المتوفرة لمن يريد التأكد. وحتى حين يكتب القانون بشكل أمين بهدف حماية المجتمع فأنه لا يستطيع أن يغطي جميع الحالات الممكنة، ويمكن للمحتالين دائماً أن يجدو فيه ثغرات لتمرير مصالحهم على حساب مصالح المجتمع، كما أن تنفيذ القانون ذاته يعتمد على قوة السلطة التي تريد تنفيذه، وكثيراً ما تكون قوة اللصوص وأعداء المجتمع أقوى منها، وقد رأينا كل من صدام حسين وجورج بوش يسخران من القانون والدستور بغضب على أنه "مجرد ورقة". في كل هذه الحالات، وخاصة في الظروف التي يفشل فيها القانون بشكل كبير، ليس للمجتمع إلا أن يستغيث بكل أدواته لتغطية ما يمكن تغطيته من ثغرات، ومن أهم تلك الأدوات "الأخلاق" وتعبيراتها مثل "الشرف".
حاول آدم سميث أن يبرهن أن ليس هناك داع للأخلاق ولا أي من أدوات المراقبة الإجتماعية الأخرى للإقتصاد، وأن الخير في أن يترك الأخير لوحده، وأننا إن تركنا كل فرد ليعمل من أجل مصلحته فأن المجتمع سوف يستفيد في النهاية، وفق سميث. فالخباز لا يخبز الخبز من أجل فائدة المجتمع بل من أجل أن يبيعه ويستفيد من ماله، وكذلك بقية المنتجين، وبالتالي فأن العمل من أجل المصلحة الشخصية هو عمل من أجل المجتمع، وفق تصور أبو الرأسمالية، سميث، وعلى هذا الأساس قامت وتثبتت أفكار "حرية السوق" الليبرالية. فهل كانت البشرية مخطئة إذن حين اخترعت تلك الكلمات مثل "الشرف" و "الوفاء" و "الخير" و "النبل" و "الكرم"، وأن تلك الكلمات التضحوية بطبيعتها، كانت زائدة، بل مؤذية وأنها ضللتنا بعيداً عن مبدأ سميث "العظيم" الذي يؤدي إلى خير المجتمع كما يدعي، وأن هذا المجتمع لم يكن بحاجة إلى أية تضحيات لكي يبقى على قيد الحياة ويزدهر؟
إن وجود وضرورة "القانون" بحد ذاته، سواء في القضايا الإقتصادية أو غيرها، برهان كاف تماماً على خطأ فكرة آدم سميث، وأن الفرد إن ترك يعمل لمصلحته بحرية فأن ذلك لا يؤدي دائماً إلى مصلحة المجتمع، وأنه يجب منعه بالقوة من اتباع مصلحته احياناً، ونستنتج بالتالي أن النظام الرأسمالي غير قادر على تصحيح نفسه وإعادتها إلى "مصلحة المجتمع" وأن فلسفة سميث لم تكن إلا مخادعة هدفها إطلاق حرية أثرياء المجتمع لمتابعة مصالحهم بلا تحديد. وبالطبع فأن اثرياء المجتمع قد رحبوا بهذا التنظير أيما ترحيب، وتم نشره كنص إقتصادي مقدس. ويفترض بالناس التي دفعت الثمن كما بينت الحقائق المنشورة في مقدمة هذه المقالة في العراق مثلاً، أن تفهم حجم المؤامرة على مصالحها وتدرك بوضوح حجم الضرر المنوي لها، وأن تتصرف بمبادرة وشجاعة لردعه، وإلا فأن التدهور لن يتوقف، وحالها لن يزداد إلا سوءاً.
اليمين اللااخلاقي - خيار الشركات
وما دام الخيار بين اليمين واليسار أخلاقياً، فمن الطبيعي أن تلك الشركات التي تهدف إلى سلب العراق وغيره من البلدان ثرواتها، و تسيطر على الساسة في بلدانها، وفي أميركا بشكل خاص، تدفع ببوش وأوباما إلى احتضان كل من يتحلى بالذكاء المقتصر على "الفهلوة" من الساسة في بلدان الضحايا، مصحوباً بانخفاض أخلاقي شديد قدر الإمكان، ليساعدوها في صراعها مع الشعب على ثروات بلاده. فنجد الإدارات الأمريكية المتتالية تفضل صراحة وكما بينا في مقالات سابقة، أياد علاوي، "قطار الفضائح" وأحد أحط من أنجب العراق في كل تاريخه من الناحية الأخلاقية، وكذلك مثال الآلوسي المرتمي في حضن الوحش الإسرائيلي الدموي والعنصري يعالون، والمكلف بمتابعة العملاء العرب الكبار من بعض القيادات الفلسطينية والعراقية وغيرهم وتنظيمهم لتحطيم بلادهم وتجهيزها لاختراق إسرائيل لمجتمعاتها وإخضاعها لإرادتها. وفي كردستان يجد هؤلاء ضالتهم في الرأس الأكبر في كردستان، مسعود البرزاني وشلته، والذي تعبر عن أخلاقه "البراغماتية" الرأسمالية ، مواقفه من بلاده قبل كل شيء، وفي رغبته الشديدة في العدوان والإستيلاء على أراضي العرب عندما يكون قوياً، والإستعداد التام للتذلل لقياداتهم عندما يكون ضعيفاً والتنسيق معها لتأمين مصالحه مهما كانت تلك القيادات إجرامية. فقبل من أجل تأمين سلطته، بدور "الجحش" لصدام ، واستمر يلعب هذا الدور حتى لفترة طويلة بعد قيام صدام بقصف حلبجة بالكيمياوي وقتله ما يقدر بـ 200 الف كردي في حملة الأنفال بينهم 8000 من عشيرة مسعود ذاته. ولا يتورع مسعود اليوم عن التباكي عليهم بهدف تأمين المزيد من الإبتزاز للعرب. وقام مسعود بمنح شركات النفط الغربية، وبمساعدة اللص الآخر ، وزيره للطاقة أشتي هورامي، ثروات بلاده في عقود سرية تعتبر الأسوأ في العالم. ويسعى مسعود لإخفاء تلك الحقائق برفع الشعارات القومية المتطرفة إلى حد الشوفينية، واستغلال تعاطف الكرد معها للتعتيم على سرقة ثرواتهم، وكل شيء مسموح في الجو اليميني "اللاأخلاقي" الذي يتبناه مسعود وحزبه. ومن الطبيعي أن لايرفض مسعود ومجموعته أية مهمة، مهما كانت دنيئة، فنراه اليوم الهراوة الأكبر للشركات والإدارات الأمريكية الإسرائيلية الأكبر لتحطيم العراق، وهو الذي تفاخر عندما أدخل "أكسون موبيل" إلى بلاده بأنها "تعادل عشرة فرق عسكرية" وأنها "إن دخلت بلاداً، فلن تخرج منها"!
خيار الشعب ونتائجه البعيدة
الصراع إذن بين الشعب من جهة والشركات وذيولها من الأثرياء والساسة من الجهة الأخرى، صراع مصالح واضح وشرس، والفرق بين موقفي اليمين واليسار (الحقيقي) منه موقف أخلاقي بالدرجة الأساس. ولا يقتصر تعريف الأخلاق هنا على النهب الإقتصادي، بل يتعدى ذلك وصولاً إلى التعريف الإجتماعي والديني للأخلاق، حتى في شكله الجنسي. فكما بينت في مقالتي : "في يومها العاشر – هل تجبر حرية السوق المرأة على العمل كعاهرة؟" أن مبادئ حرية السوق قد تجبر المرأة التي لا تجد عملاً آخر، أن تعمل عاهرة. ليس بضغط الحاجة الإقتصادية فقط، بل وبضغط القانون ايضاً، وليس في البلدان الفقيرة وحدها، بل في أكثر البلدان ثراءاً. فقوانين البطالة لا تستثني العمل في الدعارة بعد اعتبارها عملاً شرعياً يدفع الضرائب، كما حدث في هولندا قبل بضعة سنوات، وبالتالي فهناك الأداة القانونية الواضحة، تحت سياسة حرية السوق اليمينية، لإجبار الدولة للنساء على الدعارة إن لم يجدوا عملاً. لقد اختتمت مقالتي تلك بالعبارة التالية: "أنت يا سيدتي، لست سوى جزء من هذا المجتمع، ولن يعاملك السيد الأكبر، السوق، إلا كما يعامل الباقين، وهو لا يعرف أن يتعامل سوى مع "السلع" وبالتالي فسوف يراك "سلعة" لا أكثر. إنه وحش يكره القيود ولايريد الوقوف عند أية حدود. وهاهو يسعى بجد نحو حريته التي يطالب له ذيوله بها ويحشرونها في دساتير بلادهم. ولكن على من يترك نفسه تحت رحمته بلا قيد، أن لا يستغرب سؤالي في عنوان المقالة أعلاه، فهذا الوحش لا يعرف الحدود، والمدافعون عنه لا يعرفون الأخلاق."
الصراع إذن صراع مصالح، وليس صراعاً "علمياً" بين نظريتين، والموقف منه بالتالي، موقف أخلاقي يسم اليسار بالخلق من جهة، واليمين وحرية سوقه باللااخلاقية اللصوصية الجشعة بوضوح لا لبس فيه من الجهة الأخرى. إنني أتحدى أي من المدافعين عن اليمين وحرية السوق والخصخصة، من المستفيدين منها أومن المكلفين بالدفاع عنها أوالمتملقين لها من اليسار التائب أو المؤمنين بها بحق، أن يذكر أي شيء غير صحيح مما جاء في هذه المقالة، أو أن ينكر النتائج المخيفة تهدد كيان ووجود المجتمع تحت سياسة اليمين، أو ان يضع اية حدود لوحشية استخدام السوق لحريته، إن هي منحت له، أو أن ينسب أي شرف من أي شكل إلى هذا الإتجاه التدميري للمجتمع وأساليب نهب ثروته وتحطيم بلاده.
في المقالة القادمة سنشير إلى مواقف فردية يسارية ويمينية في العراق، للمساعدة على رؤية وتمييز الموقف الذي يوصف بـ "الشرف" والآخر الذي يفتقر إليه.