جمهوريـــــة العــراق
رئاســة الجمهوريــة
المكتـب الصحفـي
هاتف: 0096415382062، 0096415382063
هاتف نقال: 009647901939880
نص الكلمة التي ألقاها رئيس الجمهورية في مؤتمر الاشتراكية الدولية في أثينا
July 1, 2008
ألقى رئيس الجمهورية جلال طالباني، يوم الثلاثاء 1-7-2008، كلمة في المؤتمر الثالث و العشرين لمنظمة الاشتراكية الدولية و المنعقد في اليونان، هذا نصها:
"بسم الله الرحمن الرحيم
الرفيق العزيز جورج باباندريو
الرفيق العزيز لويس أيالا
ايها الرفاق الاعزاء
أحييكم بحرارة، متمينا لمؤتمركم العتيد النجاح في تحقيق مهامه النبيلة، ويشرفني ان أكلف بالكلام عن العمل من اجل عالم يعيش بسلام، وحل النزاعات والقضاء على عدم الاستقرار.
إن هذه المهمة تجسد الهدف الانساني النبيل الذي طالما ناضلت البشرية من أجله، منذ أمد بعيد، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وما اعقبته من حروب إقليمية كلفت الانسانية حياة الملايين من البشر وأتت على ثروات طائلة للشعوب والبلدان وأجهزت على معالم ومراكز حضارية رائعة أبدع الانسان في خلقها.
وفي عصرنا الراهن، حيث ظهرت وتبلورت معالم العولمة، أصبح هذا الهدف النبيل، مهمة مقدسة ملحة لا تقبل التأجبل.
لقد تجلت معالم العولمة ومظاهرها في تسارع تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية والشركات المتعددة الجنسيات، وتركز واندماج الصناعات المتماثلة، وسيادة السوق الرأسمالية في العالم، والاستجابة لمتطلبات العصر الحديث في ميادين تكريس الامن والاستقرار وإشاعة مبادئ الحريات والقيم الديمقراطية وحقوق الانسان، إن كل ذلك يحتم الحاجة الماسة لتحقيق هذه المهمة المقدسة لخير البشرية.
ومما يسهل انجاز هذه المهمة، توازن قوى الرعب في العالم التي يؤشر لها خزين الاسلحة النووية والصاروخية، بحيث يجعل من المستحيل عقلانيا شن حرب عالمية بين الدول الكبرى.
ان اوروبا التي كانت موقد وميادين الحروب العالمية تغذ السير بخطوات متسارعة نحو استكمال وحدتها، بتوسيع سوقها المشتركة وعملتها الموحدة، وكل ما من شأنه تجاوز مخلفات ارثها التاريخي السلبي الذي تميز بالنزاعات المسلحة والعداوات التأريخية.
ان آسيا هي الاخرى تنزع نحو اعتماد سياسية الوفاق والتعاون بين دولها ومنظومتها السياسية.
فجمهورية الصين الشعبية التي تنطوي على قدرات بشرية وطاقات اقتصادية هائلة ومعدلات نمو مثيرة، تزداد ميلا نحو حل نزاعاتها مع المناطق المتمردة عليها، مثل تايوان التي كانت ومازالت جزءا من الوطن الصيني عبر الأساليب الدبلوماسية والسياسية، مبدية مرونة بلغت حد القبول بنظامين اجتماعيين في اطار دولة واحدة، وتأمين اقصى الحريات والصلاحيات لهذه المناطق.
وفي شرقنا الاوسط تم اجتثاث بؤرة خطيرة للحروب، بالقضاء على الدكتاتورية الصدامية، التي شنت حرب ابادة على الشعب العراقي وحروب عدوانية على الجارتين الجمهورية الاسلامية في ايران، ودولة الكويت الشقيقة، فكلفت حياة مئات الالوف من القتلى ومثلهم من الجرحى والمعوقين، ومئات الالوف من الارامل والايتام، وبددت ثروات شرقنا بمئات الالوف من ملايين الدولارات، مخلفة وراءها خرابا ودمارا في العراق، نحتاج الى سنين عديدة وجهودا هائلة، وملايين من الدولارات لاعادة بنائه وتعميره وتجديده.
ويتجه النزاع العربي الاسرائيلي الى تدشين مرحلة جديدة تتميز باعتماد المشروع العربي للسلام الذي أجمعت عليه الدول العربية، وبمقتضاه اقر قيام دولتين مسالمتين متعايشتين، فلسطينية واسرائيلية، وتطبيع العلاقات العربية- الاسرائيلية باعتماد تطبيق قرارات الامم المتحدة، وسيادة الشرعية الدولية، تضمن عيش اسرائيل بسلام وامان مع جيران مستعدين لاقامة العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية، لما فيه خير الطرفين.
وتأتي المفاوضات السورية- الاسرائيلية برعياة تركيا حزب العدالة والتنمية، في هذا السياق لتعزز هذا النوع الايجابي وتبعث نفحة جديدة من التفاؤل والامل.
وتشهد افريقيا محاولات جادة لارساء اسس متينة من الوفاق والتعاون، ومثلها امريكا اللاتينية.
ان هذه اللوحة الايجابية، والمنجزات التي عكستها، لا تعني ان السلام المطلوب قد تحقق، وان النزاعات قد انتهت.
فالدول الاستعمارية التي احتلت البلدان الاسيوية والافريقية، حقبا من من الزمن، خلفت وراءها مشاكل عديدة ونزاعات حدود، جراء عدم احترامها لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وتثبيت حدود دولية، قيل عنها، ان ممثل بريطانيا كان يرسم، مثلا، حدود الاقطار الخليجية العربية، بعصاه على الرمال.
ولا اريد، وأنا استعرض اللوحة المعقدة للصراع الدائر في مختلف القارات والبلدان، ان استهين بما تنطوي عليه النزاعات المتبقية في انحاء متفرقة من العالم، قد تهدد بحروب مدمرة لا تقتصر عواقبها على الاطراف المباشرة، بل يمكن ان تمتد الى دول عديدة بصورة غير مباشرة او بالوكالة، مثل النزاع العربي الاسرائيلي والنزاع في قبرص وكشمير.
وما يزيد الطين بلة ان موجة واسعة من الارهاب الأعمى، انطلقت من الشرق الاوسط وافريقيا، تهدد بالانتشار في العالم مما يهدد السلام والاستقرار في العديد من البلدان، ومن بينها وطننا العراق الذي حقق انتصارات ملحوظة على الارهاب الغازي القادم من الخارج وعلى المليشيات المحلية، ولكنه رغم ذلك ما يزال يناضل للخلاص من شرور هذه الآفة العالمية المدمرة.
ايها الرفاق الاعزاء
إن المشهد الراهن للعالم، بما يعكسه من انجازات وما ينطوي عليه من تناقضات وصراعات ونزاعات، يتطلب جهدا استثنائيا من امميتنا للعمل الجاد من اجل عالم يسوده السلام تتضافر فيه الجهود للقضاء على النزاعات والمشاكل العالقة.
ودعوني أكون صريحا معكم، لأقول لكم، انه من غير المقبول ولا من صالح مبادئنا النبيلة، ان تمر الاممية الاشتراكية (مرور الكرام) على القضايا والمهام الملحة التي تواجه عصرنا، كما يقول المثل العربي، بل ان دورا تاريخيا مجيدا وبالغ الاهمية ينتظرها ويقع على عاتقها.
وأستميحكم عذرا لأطرح بصراحة رفاقية، من منبرنا المشترك هذا آرائي ومقترحاتي حول هذا الدور المجيد الذي يمكن ان تنهض به الاممية الاشتراكية واحزابها:
أولا:
أ- المبادرة لصياغة وتقديم مشروع شامل يقوم على مبادئ حق تقرير المصير وحقوق الانسان، ويعتمد الحل السياسي السلمي للنزاعات ونبذ الارهاب مع شجب استخدام العنف ضد المدنيين من قبل الافراد والمنظمات والحكومات، والتأكيد على ممارسة كل أشكال الكفاح السياسي والدبلوماسي والبرلماني والجماهيري والاعلامي والنقابي كسبيل لتحقيق الاهداف المشروعة للشعوب.
وهذا النهج الذي ينسجم مع شروط عصرنا، يتعارض مع اعتماد العمل المسلح او سياسة العدوان.
ب- تنظيم حملة تعبئة عالمية واسعة، بمختلف الأساليب، لشرح أبعاد المشروع العام المصوغ، ومضامينه وأساليب وادوات تطبيقه، وما يستند إليه من مبادئ وقرارات دولية، وماتعكسه من إرادة الشعوب في تقرير مصيرها، وماتؤشر له من مخاطر اندلاع النزاعات الاقليمية على أمن الشعوب وتقدمها.
ثانيا:
إن مثل هذه الحملة تتطلب اعتماد كل وسائل الاتصال الجماهيري، ووسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وكذلك الندوات واللقاءات والاجتماعات .
ثالثا:
تشكيل لجنة عليا من كبار قادة الاممية الاشتراكية، تتولى صيغة المشروع، والبرنامج الاعلامي والجماهيري للترويج له، ولتنظيم الفعاليات السياسية والدبلوماسية والاشراف المباشر عليها، على النطاقين الدولي والاقليمي، وللدعوة لعقد الاجتماعات والكونفرانسات المحلية والدولية الضرورية، لانجاح العمل من اجل السلام ولأمن وحل مختلف النزاعات وإطفاء بؤر التوتر في العالم.
إن تنوع المهام وتشعباتها تطرح على اللجنة الاممية الاشتراكية ان تشكل لجانا ترتبط بها:
1- لجنة في الامم المتحدة من ممثلي الحكومات التي تقودها الاحزاب الاشتراكية او تشارك فيها، تتولى العمل الفعال والمتواصل داخل المنظمة الدولية (مجلس الامن، الجمعية العامة للأمم المتحدة، مجلس حقوق الانسان) وسائر اللجان المنبثقة عنها لبيان مضامين مشروع امميتنا والدعوة للأخذ بها والعمل على ضوئها وصولا الى تدويلها في اطار مقررات الامم المتحدة ومجلس الامن، على ان تتولى اللجنة مراقبة النشاطات والخروقات والنزاعات التي ترتبط بميدان نشاطها، والعمل على إثارتها في منتديات الامم المتحدة .
2- تشكيل لجان خاصة مشابهة لدى الاتحاد الاوروبي ومنظمة الدول الاسلامية ودول عدم الانحياز والجامعة العربية، لتحقيق أهداف المشروع.
3- تشكيل لجنة خاصة تعنى بمتابعة فعالة ومستمرة لحل النزاع العربي- الاسرائيلي تتبنى الحلول السياسية والدبلوماسية وتسعى لتحقيقها وفقا للقرارات الدولية، وتستهدف نبذ العنف واعتماد السلاح والارهاب من جميع الاطراف، والاستجابة للدور الاممي والعالمي لحل النزاع.
4- وكذلك تفعيل اللجنة الخاصة بحقوق الشعب الكردي وتشكيل لجان خاصة تتولى معالجة قضايا قبرص وكوسوفو وافغانستان والعراق.
رابعا:
تكليف الاحزاب الاعضاء بالالتزام الجاد والفعال بالمشروع الاممي وتأييد نشاطات وفعاليات اللجان المختلفة، والاسهام الايجابي في كل ما يفضي الى حل النزاعات التي تخص بلدانها بالاعتماد على المشروع ومبادئه، بحيث تبرز هذه الاحزاب كممثلة حقيقية لمبادئ الاممية الاشتراكية وجوهر ومفردات مشروعها الاممي للسلم والامن.
خامسا:
الاسهام الفعال في المفاوضات والوساطات التي ترمي الى حل النزاعات الاقليمية.
سادسا:
التعاون والتنسيق مع المنظمات الدولية بالاستناد الى قرارات الشرعية الدولية ودعم الجهود الجماعية من اجل إنجاح مشروعنا الاممي.
سابعا:
العمل على تعبئة مختلف أوساط الرأي العام العالمي وفي سائر البلدان، وكسب القوى العاملة والشعوب والبرلمانات والنقابات والاحزاب ودعوتها لدعم المشروع والعمل على حل النزاعات الدولية وادانة مواقف القوى المعادية للمشروع ونهجه وتوجهاته.
ثامناً:
التعاون والتنسيق مع الاتحادات الوطنية والدولية، نقابات العمال ومنظات النساء والطلبة والشباب، ومنظمات المجتمع المدني، ودعاة حقوق الانسان وغيرهم، بهدف تحقيق اوسع تعبئة جماهيرية، تحت ارشاد اللجنة العليا للأممية الاشتراكية، من أجل انجاح مشروعنا لحل النزاعات الإقليمية واطفاء بؤر التوتر ونزع فتائل الحروب، واقامة سلم وطيد وأمن مستتب.
أيها الرفاق الاعزاء
انني لا أزعم ان هذه المقترحات لمشروع أممي، تشكل حلا سحريا لتحقيق السلام والأمن، لكنها يمكن ان تعتبر مدخلاً لعمل جاد مثابر لتنمية قوى حية من مصلحتها انجاز هذا التوجه الانساني النبيل.
إنني أنطلق فيما قدمت من أخطار وتوجهات، من التقدير الصحيح لقوى الأممية الاشتراكية وإمكاناتها الهائلة في مواقع مؤثرة في العالم من شأن استخدامها بشكل فعال ومتواصل، التقدم نحو تذليل الصعوابت وتفكيك العقد، مما سيفتح أمام البشرية التواقة، باب الامل ويفضي بها الى ارساء أسس ممكنة لحل النزاعات واطفاء نيرانها.
ان المرحلة التأريخية التي تجتازها الأممية الاشتراكية، التي تتميز بملامح ايجابية جديدة، تتطلب من احزابنا وقوانا العمل الجاد والمثابر وبصفوف متراصة للنهوض بدورنا التاريخي المجيد.
وشكرا جزيلا".