طلال النعيمي المدير العام
عدد الرسائل : 1810 العمر : 67 تاريخ التسجيل : 31/12/2006
| موضوع: الملا عثمان الموصلي . العبقري والاسطورة الأحد 11 مايو - 22:32 | |
| العبقري الفنان وأسطورة الزمان الملا عثمان الموصلي رحمه الله عبد الجبار محمد جرجيس شهدت الموصل مولد رجل من الرجال, فهو عبقري الزمان, وأسطورة الإنسان,رجل دين وأدب وثقافة. وصحفي من الطراز الأول ومنشد من الأصوات، أديب وشاعر من فحول الشعراء, وقارئ من أنبل القراء, ومداح أينما ذهب كانت الصدارة له, وأينما حل كانت الريادة له, خير من تحدث عن هذا الفنان. وجمع تراثه دون كلل أو عناء هو الدكتور الأستاذ عادل البكري, الذي ركب سفينة الأهوال ليبحث عما طواه الزمان عن هذا الفنان, فكان كتابه (عثمان الموصلي قصة حياته وعبقريته) من أكمل ما كتب وقيل عنه نابغة الزمان.. ونحن اليوم إذ نتحدث عن هذا الإنسان, لا نقول به أكثر مما قيل ولكن حق الأجيال أن تعرف هذا الإنسان. فهو (الملا عثمان بن الحاج عبد الله بن الحاج فتحي بن عليوي) وكان ينسب إلى بيت الطحان. ولا يهمنا إن أختلف البعض في نسبته هذه, والذي يهمنا هو (عثمان).ولد في الموصل سنة 1271هـ/1854م. يوم كان الجهل والحرمان, يخيمان على ذلك الزمان. كان له أربعة أخوة, وهو يلعب معهم ويمازحهم. بدأ الذكاء على وجهه الطفولي وبانت ملامح التفوق, نشأ في ظل العائلة العاملة حيث كان أبوه يعمل في سقاية الماء (سقا)..أصابه مرض (الجدري) فكف بصرهُ وهو ما يزال دون الثمانية من العمر, عرض الأديب المحسن (محمود أفندي العمري) على والدة عثمان بأن يرعى هذا الطفل في داره مع أولادهِ, ولأنه يتوسم فيه الدهاء وسرعة الحفظ وحلاوة النطق, شاءت الأقدار أن يكون الابن الأكبر (أحمد عزت العمري) لمحمود بين هؤلاء الأولاد. وكان يحب عثمان فنشأ في هذا البيت. وبدأ عليه الذكاء والموهبة والعطاء الفكري, في نسج القصص والنكات, فدرس القرآن وحفظ النصوص القرآنية, وتنفس معانيها, وكان صوته الحسن أداة هذا البيان, وإليه استمع بعض الناس, وكان صيته يبث بين الأهل والأجناس. وكان محمود أفندي يسمع ويرى.حفظ الألحان, وبهر بالموسيقى, وقرأ الموشحات الموصلية بصوتهِ الندي, وقلبه الفتان. وتعلم اللغة العربية وفنونها من معان الجناس والطباق, وأفتتن في البيان, وأحسن صنع الكلام.عاصر كبار العلماء الأعلام, وأخذ منهم علوم الشرعية وفصيح الكلام, درس الحديث النبوي الشريف, والتفسير وأصول القراءات, وأجاد فيها وبرز في أدائها. وكان على رأس هؤلاء (الشيخ صالح الخطيب) والشيخ (عبد الله الفيضي) ذي الجناحين رحمة الله عليهم. أحب التفسير, فدرسه وأتقنه. كبر عثمان فأصبح عالم من العلماء. فلبس الجبة والعمامة. كان الحاج محمود يحب سماع الألحان والأداء الموسيقي, ويطرب لها وكان يجالس الأدباء والمثقفين. مات محمود. وكبر (أحمد عزت) وأصبح باشا في ظل الدولة العثمانية, فكفل عثمان وكان يحبه.ساقوا عثمان إلى بغداد, فأكرمه الأدباء واحتفى به الشعراء, وأحبه العلماء وكبار القوم ذاع صيته وأكرمه الوالي ودعي إلى المحافل والندوات, وأهتم به المجتمع في بغداد, واحترموا هذا العبقري القادم من الفيحاء. وأشتهر بحسن القراءة وبرع في المقام, وخاصة عند قراءته للمولد النبوي انصرف ثانية إلى العلم فحفظ نصفاً من (حديث صحيح البخاري), وأتقن المعاني, وكان على يد (الشيخ داؤد أفندي الهندي). كما التقى بـ(شلتاغ) وكان يومها عظيم القراء وعظم المنشدين, فدرس عليه سنة (1288هـ/1871م) وعرف (عبد الله الكركوكلي).. في يوم أغفل عثمان ذكر الخليفة بالمواعظ فغضب الوالي فنفاه إلى (سيواس) سنة (1304هـ/ 1886م).. بعدها عاد عثمان إلى الموصل بشفاعة الشافعين, ذهب إلى الحج, وفي الموصل قضى ردحاً من الزمن بعد الفراق.. قصد عثمان (الشيخ محمد نوري القادري) في تكيته ولازمه وأخذ عنه التصوف بالطريقة القادرية. قرأ القرآن بعد مجالس الواعظ. ثم تجاوز القادرية وأحب الطرق الأخرى كالرفاعية والمولوية المنسوبة إلى مولانا جلال الدين الرومي. إلا أنه سافر بعد ذلك إلى اسطنبول. وكان محط الرهبان والقاصد إليها وهي خلافة بني عثمان. والتقى بكثير من الشيوخ الأفاضل, قرأ القرآن في جامعها واستمع الناس إليه, وتحدثوا عنه, وسمع به الخليفة وبألحانه الحسان وموشحاته. فأحبه الناس في كل مكان, وتعرف على أبو الهادي الصيادي شيخ مشايخ الصوفية في الدولة العثمانية, والتقى بالمغني آنذاك (عبد الحامولي) فأوصله إلى السلطان (عبد الحميد) فأكرمه واستمع إليه ينشد الألحان, سافر إلى القاهرة. عام (1895) فالتف حول الأدباء والشعراء والمثقفين، وقرأ أمامه القرآن وما كان يسمع إلى آيتين حتى نهض الأستاذ شيخ القراء وهو يقبله من وجنتيه, وسمع الناس بعثمان, وفي ذلك كان الحامولي على عرش الغناء في مصر. فأعجب به وصاحبه. ونبغ عثمان في مصر وذاع صيته مرة أخرى, وكان للموسيقى عند عثمان مكانة كبيرة, إضافة إلى التصوف. أصدر في مصر مجلة (المعارف) وهي أحدى المجلات العربية المهمة. على يديه قرأ العديد من القراء, ومنهم (محمد صالح الجوادي, والشيخ محمد رفعت المصري ) وكان من أبرز طلابه. بعد أن قضى (5) سنوات في مصر عاد على (اسطنبول) فوجد الأصدقاء متلهفين إليه. فاحتفوا به وأكرموه, نبغ العبقري بالموسيقى والألحان وأتقن المقام. وكان الأثري يقول عنه: (صوته معبدي ينعش الأرواح من كبوات الأتراح). وصار هذا الموصلي من يحضرون ليالي رمضان في المقهى ويشترك مع فرقة الألحان التركية. وهكذا بهر وأبهر وعزف ما طرب, وأنشد الأناشيد, وألف الأشعار والموشحات وبهر الناس.تزوج عثمان في اسطنبول وعاش الأيام الحسان. واحتفل بهذا الزواج. سجل عثمان العديد من الأسطوانات. فيها الكثير من الأغاني والألحان. منها: أقول لصحب ضمت الكأس شملهم وداعي صبابات الهوى يترنم خذوا بنصيب من نعيم ولذةٍ فكل وأن طال المدى يتصرم ثم يعقب هذه الأغنية متشوقاً: يا أهل الحدباء يا أغاتي يا عيوني, هذا القوان اسمعوه بعد موتي وأنا الملا عثمان والسلام عليكم.وأرسل الوالي عثمان إلى بيروت سنة (1324هـ/1906م). فرحبوا به وسافر إلى دمشق, ومكث فيها وتعرف على المجتمع السوري, ومارس نشاطه الذي عرف به. وقضى هناك (3) سنوات. وسافر إلى الحج عن طريق خط سكك حديد الحجاز الذي فتح بحضوره سنة (1326هـ/1908م). وفي دمشق التقى سيد درويش وكان موهبة في الغناء والألحان عاد الملا عثمان إلى اسطنبول ووجد الدنيا غير الدنيا التي عرفها. وتغير الحكم في اسطنبول. وأصبح محمد رشاد الحاكم. وأكرم الملا عثمان, إلا أن الملا عثمان يسافر إلى مصر, ويعود إلى دمشق, ثم عاد إلى اسطنبول وقد خلع الخليفة. ونفي صديقه أبي الهدي الصيادي.عاد الملا عثمان إلى العراق, وصل إلى بغداد وعمل فيها , وأجاز الكثير من العراقيين في الطريقة المولوية. في بغداد كان يخطب للناس في الجوامع ويثير بهم الحمية للاستقلال, والدعوة إلى الحرية, وبذل جهداً كبيراً مع علماء السنة والشيعة, وكان يتظاهر أمام الجموع وهو يهتف في طريقه إلى الكاظمية قبل ثورة العشرين, وكان أحد الشعراء قد قال في عثمان في الاحتفال بذكراه: يا لائمي لا تزد ما فيّ من ألمٍ ففي فؤادي من الآلام ما يكفي هيجت في النفس من مكنوفها خوفاً ودمع عيني يبكيها ويبكيني فارحم دموعي جزاك الله مكرمة فأنني ساهر والدمع يؤذيني عثمان يا خالق الأنغام ليلتنا طابت بذكرك في عذب الألحان إني أحييك من روحي ومن نعمتي تحيتي مهجتي من بعد خمسين ومما قاله عثمان أبان ثورة العشرين. والتلاحم الشعبي فيها, والإشارة إلى الصدق والمحبة بين مكونات الشعب: جيت أناشدكم يا شيعة صدك زينب سلبوها أي وحك جدها وأبوها حتى الخيام حركوها كما كان يهتف وهو يسير في مقدمة الركب بقوله: أبو بكر وعمر حزنانين على الوصي حيدر وملائكة الرحمن وجبريل لأجله تكدر ولو أخذنا كافة الأشعار والقصائد والأغاني والتنزيلات الموصلية لأخذت منا الكثير في هذا المقال. ولكن هذه المدونات نشهد لها الكتب، والمجلات وما تم توثيقه لهذا الرجل العبقري, لذا من أراد أن يستزيد عن عثمان فعليه مراجعتها. وفاته: في أواخر أيامه لزم داره وأقعده تعب الزمان لتنهي حياة هذا العبقري الذي فتن الدنيا, وأطرب العالمين, وغزا قلوب العاشقين, وكان يوماً ما من أعلامها الثائرين, ومن محبي وطنهم الخالدين. وتوقف مدافعاً عن الوطن. فأستحق التكريم. في سنة (1341هـ/1922م) لبى نداء ربه, فأستحق الثناء وأبنه الكثير من الشعراء الأدباء. رحم الله الملا عثمان. مؤلفاته:بعد رحيله, ترك لنا بعض ما قام بحفظهِ ونشره لنا, أمانة للتاريخ ومنها:1- المراثي الموصلية في العلماء المصرية: سنة 1315هـ.2- سعادة الدادين: وهي قصائد جميلة مع معلقات في مدحه لشيخ الأزهر محمد الحسن السمان.3- الأبكار الحسان في مدح سيد الأكوان: طبع (5) مرات وإحدى هذه المرات ببغداد سنة (1333هـ).4- حل الرموز وكشف المكنوز: للشيخ على درة, القاهرة 1314هـ.5- الترياق الفاروقي: نشر وأكمل ما ينقصه بناء على حفظة القصائد 1316هـ.6- في مصر أصدر(مجلة المعارف). | |
|