[b]دعوة
الى نشر عقيدة التسامح
إن
الأنبياء والأولياء جميعاً جاءوا الى الأرض من أجل أن يُهذبوا أخلاق البشرية ، ومن
أجل أن يسمو بروح الإنسان باتجاه الصفات التي يُحبها الله جل في علاه ، ولذلك فإن
الأنبياء جميعاً كانوا هم دُعاة المحبة والأخوّة والرقة والتعاون والتسامح بين كل
فئات المجتمع ، ولا يختلف في ذلك نبي عن نبي لأنهم جميعاً صدروا من سراج واحد ،
ولأنهم جميعاً قد يختلفون في الأحكام والطقوس والشعائر لكنهم لا يختلفون أبداً في
المبادئ والقيم والمُثل والأهداف والأخلاق والغايات ..
وقد حدث
التشويه لمسيرة كل الأنبياء والأولياء بدون إستثناء من أناس يحملون الأنانية
ويتلبسون بلباس الأديان والمذاهب ، نشروا التعصب على مدى الزمان وفي مراحل التأريخ
كلها ، وأنتجوا فكراً يستهين بالدماء ويُكفّر المؤمنين المخالفين ، وكانوا هؤلاء
قلة دائماً ، لأن الكثرة من الناس هي أقرب الى الفطرة وبالتالي هي طيبة ، وأقرب
الى المبادئ الحقيقية ، إلا أن هذه القلة أحياناً تتسلط على الناس البُسطاء
وتخدعهم وتضللهم أو تتسلط على كثير من الشباب المتحمس وتضله وتُبعده عن مبادئ
المسيرة الحقيقية ، لكن الحق واضح وضوح الشمس لا تستطيع أن تخفيه قوى الظلام أبداً
..
ورسول الله
محمد المصطفى (ص) يُمثل مرحلة متقدمة في عرض الأطروحة الإلهية باعتباره خاتم
الأنبياء ، وهذا يعني أنه قد قدّم المبادئ الإلهية بأسمى وأبهى وأوضح صورها ، وهذا
ما حدث فعلاً ، ولذلك فهو إذن قد قدّم التسامح باعتباره ركناً أساسياً من أركان
الإسلام ومن أركان الأخلاق والمبادئ الإلهية ، فهو نبي التسامح ، ومهما حاول
المتعصبون أن يشوهوا رسالة نبي الإسلام محمد المصطفى (ص) لن يستطيعوا أبداً ، وسوف
تفشل مخططاتهم ..
والتعصب لم
يكن موجوداً في الإسلام فقط ، أو في مذهب محدد فقط ، بل هو موجود كظاهرة في كل
الملل والمذاهب عندما تسيطر الأنانية والدنيوية وتتلبس بلباس الدين وعندما يكون
قساة القلوب هم المتصدين للعمل الديني ويخدعون الناس من خلاله ، ولذلك فإن مسؤولية
كل أبناء الملل والمذاهب بدون استثناء أن يُبرزوا عقيدة التسامح باعتبارها مطلب
إلهي قد جاء به كل الأنبياء والأولياء ..
والمطلوب
اليوم من كل المؤمنين أن يكونوا مبادرين الى نشر عقيدة التسامح وترميم الشرخ
العقائدي والعاطفي الذي أحدثته موجات التعصب ، وهذه مسؤولية أمام الله سبحانه ،
لأن من أفضل العبادات التي يتقرّب بها الإنسان لله هي عبادة الإصلاح أي الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمعروف هنا هو التسامح ، والمنكر هنا هو التعصب
والتشدد ، فالمطلوب إذن أن نكون كلنا متسامحين فيما بيننا ، وأن نحول التسامح الى
عقيدة واقعية حقيقية في مجتمعنا تتحكم بأخلاقنا وردود أفعالنا ومواقفنا وعلاقاتنا
مع من يخالفنا ونخالفه ..
ومن
الضروري جداً أن يعرف الكل لماذا شرّع الله التسامح في كل شرائعه وفي شريعة
الإسلام ، وذلك لعدة أمور مهمة وأساسية في تربية الإنسان ، ومنها :
أولاً ..
لأن الله سبحانه يُريد بناء المجتمع المؤمن الصالح ، المجتمع الرباني ، وهذا
المجتمع يجب أن يكون مجتمعاً متعاضداً ، ولا يكون كذلك إلا بوجود أخلاق التسامح
فيما بينه ..
ثانياً ..
لأن الله الحبيب أراد من المؤمنين أن يكونوا أكثر إهتماماً بوجدانهم وبعلاقتهم مع
الله سبحانه ، وأن يبتعدوا عن النزاعات التي تُشغلهم عن ذكره وحبه والتفكر به
سبحانه ..
ثالثاً ..
لأن الله الحبيب أراد من الإنسان المؤمن أن يكون إنساناً وديعاً وليس عدوانياً ولا
متهجماً ولا باحثاً عن النزاعات ، وإنما يكون مسالماً وهذا ما يؤسس التسامح ..
رابعاً ..
لأن الله الحبيب أراد من الإنسان أن يجعل لحبه سبحانه قيمة كبيرة فوق كل الخلافات
وفوق كل التباينات ، ويكون حب الله وحده جامعاً بين كل فئات المجتمع تكريماً لحب
الله ..
خامساً ..
لأن الله الحبيب أراد أن يتعلم الإنسان أن يتنازل لأجل الله ويسامح لخاطر الله ،
وفي هذا تعظيم لحق الله مهم جداً يجب أن يتربى الإنسان عليه ، ولا يتربى عليه إلا
بالتسامح ..
سادساً ..
لأن الله الحبيب أراد للإنسان أن يكون رد فعل لرحمة الله وكرمه ولا يكون رد فعل
للآخرين وما يصدر منهم من إستفزاز ، وهذا لا يصدق إلا في عقيدة التسامح ..
سابعاً ..
والله يريد للإنسان أن لا يُعطي أهمية كبيرة لمصالحه أو هويته الدنيوية ، ويجعل
الأهمية الحقيقية لقلبه ولذكر الله وحده لا شريك له ، وهذا يتأسس بشكل كبير
بالتسامح ..
ثامناً ..
والله أراد من الإنسان أن يكون رقيق القلب ناكراً لذاته عفوّاَ رحوماً ليناً ،
يحمل أخلاق المروءة ، وهذه من الأهداف الحقيقية والمهمة والتي تتأكد عملياً عن
طريق التسامح ..
تاسعاً ..
والله أراد بالتسامح أن يُدافع عن نفسه وصورته وأن يُعلّم المؤمنين كيف يعبروا عن
الله سبحانه بأنه كثير الرحمة شديد الرأفة قوي العطف سريع الرضا مسامحاً لعباده ..
عاشراً ..
لأن الله أراد من الإنسان المُحب له أن يكون دوره هو نشر الخير في المجتمع والسلام
والأمان والعلاقات الطيبة ، وهذه كلها تحدث عندما يحمل الإنسان عقيدة التسامح ..
الحادي عشر
.. لأن الله أراد أن يُعلّم الإنسان كيف يُقدم القرابين لحبه لربه ، ومن أجمل
القرابين هي التسامح مع كل من نتخالف معه في الرأي ومع من يؤذينا ، وهذا مهم جداً
..
الثاني عشر
.. لأن الله يُريد من الإنسان أن لا يبني فكرة قطعية عن أي إنسان آخر ، فالله وحده
من يستطيع الحكم على عباده ، وهو وحده من يعلم بخفايا الصدور ، ولا أحد غيره ..
الثالث عشر
.. ولأن الله أراد بالتسامح أن يفتح من خلاله بوابة الهداية للجميع ، لأن بالتسامح
تكون العاطفة موجودة والعقل موجود وإمكانية الحوار متوفرة وتغيّر المواقف سهل..
الرابع عشر
.. والله سبحانه أراد من خلال التسامح أن يوفر أجواءاً إجتماعية تساعد الإنسان على
أن يتوب عن ذنبه أو يُغير موقفه الخاطئ أو يأخذ فرصته في البحث عن الحق ..
هكذا تُعلن
ثورة الحب أنها تحمل عقيدة التسامح ، وتعتبرها ركناً أساسياً من أركان الدعوة
الإلهية، وتعتبرها شرطاً مهماً في سمو الفرد والمجتمع ، وتدعو الجميع الى التسامح
والتحابب.
والحمد لله
رب العالمين[/b]