"الحوار التالي الذي أجريته مع أحد الأكراد المترحلة ومع أحد الأساقفة النسطوريين ربما يوضح ملامح هذا القوم السفاحين. والجدير بالذكر أن حوارات متشابهة أجريتها مع أكراد آخرين وعززها النسطوريون والفرس.
أنا: أين تعيش؟
الكردي: في خيم سوداء. نحن من الأكراد المترحلين.
أنا: ماهي مهنتك؟
الأسقف: أنت لا تحتاج أن تسأله. أنا سأقول لك. فهم لصوص.
أنا: هل هذا صحيح؟
الكردي: نعم هذا صحيح ونحن نسرق عندما نستطيع.
أنا: هل تقتلون الناس أيضا؟
الكردي: عندما نصادف رجلا ما نريد سرقته ونحس بتفوقنا عليه فنقتله أما أذا أحسسنا بتفوقه فربماهو الذي يقتلنا.
أنا: ولكن أفترض أنه لا يبدي المقاومة عند سرقتكم أياه فماذا تفعلون؟
الكردي: أذا كان لديه الكثير من المال فنقتله حتى لا يجلب لنا المتاعب. أما أذا كانت أمواله قليلة فنتركه وشأنه.
الأسقف: هذا صحيح ولكن بعد أن تسلخونه جيدا.
أنا: أفترض بأنك تصادف رجلا فقيرا لا يملك سوى ثيابه ماذا ستفعل؟ هل ستضايقه؟
الكردي: أذا كانت ملابسه جيدة فسنجردها منه ونعطيه ملابس رثة بديلة. أما أذا كانت ملابسه رثة فسنتركه وسبيله.
أنا: ولكن مهنة سرقة الناس هذه التي تمتهنونها سيئة. لماذا لا تعملون في أعمال أخرى؟
الكردي: ماذا نعمل؟ ليست لدينا الحقول أو المحاريث و سرقة الآخرين هي حرفتنا.
أنا: سيعطيكم الفرس أرضا أذا أحرثتمونها.
الكردي: نحن لا نعرف كيف نعمل ذلك.
أنا: تَعَلم، ذلك بسيط جدا. هل انت مستعد لتجرب العمل؟
الأسقف: أنه لا يرغب بالعمل. أنه يفضل السرقة.
الكردي: أنه يقول الحقيقة. أن ذلك صعب جدا و يأخذ الوقت الكثير ولكي نحقق ما نريد وبسرقة القرى مثلا نحصل على الكثير في ليلة واحدة.
أنا: ولكنكم معرضون الى القتل أيضا في مثل هذه الأمور.
الكردي: أفترض بأننا قُتِلنا، فهذا أمر وارد ونحن يجب ان نموت في وقت أو آخر وما الفرق بين الموت الآن أو بعد عدة أيام؟ عندما ننهب قرية ما نهاجم عليها بأعداد كبيرة وعلى الخيول ونباغت القرويين وهم نيام ونهرب بالغنائم قبل أن يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم. وأذا ما لاحقنا جيش قوي فسننكس خيمنا ونهرب الى معاقلنا المنيعة في الجبال.
أنا: لماذا لا تأتون الى هذه القرى و تسرقونها كما كنتم تفعلون سابقا؟
الأسقف: أنهم لا يستطيعون العيش أذا ما طردهم الفرس. فهم يخافون الفرس.
الكردي: سوف لن يكون لنا مكانا كي نمضي الشتاء فيه و لهذا نعطي الفرس بعضا من الهدايا و نحافظ على السلام والأمن بينهم وبيننا.
أنا: أحب أن أزور قبيلتكم.
الكردي: على عيني أنهم سيفعلون لك أي شئ ترغب به.
أنا: و لكنك تقول أنهم لصوص وقتلة. فربما يسرقونني ويقتلونني.
الكردي: لا لا أنهم يتمنون أن تزورهم ولكنك لا ترغب. نحن لا نسرق أصدقاءنا أبدا. فأنت جئت تعمل لصالحنا وسوف لا يؤذيك احدا منا.
أنا: ولكن معظمهم لا يعرفون من أكون.
الكردي: كلهم سمعوا عنك و سوف يعاملونك بكل ود أذا ما زرتهم."
وقول كرنت "سيعطيكم الفرس أرضا أذا حرثتمونها" اشارة واضحة الى ان الاكراد، وحتى في الفترة التي زار فيها كرنت المنطقة، كانوا يعتبرون ايرانيين.
يقول م. واخنر في الصحيفة ? – 4 من قسم الثالث من كتابه "رحلات في بلاد الفرس وجورجيا وكردستان - ?856":
"تتواجد في الاغلبية الساحقة من الطرق والممرات في المرتفعات الأرمنية كمائن للصوص أكراد وعيونهم الحادة البصر دائم البحث عن المارة الابرياء والذين لا يحرسهم احد.
الأكراد الذين يجمعون صفة الرعاة واللصوصية معا والذين يترحلون ويخيمون مع قطعانهم في الاقسام العالية والسهول والوديان هم دوما على استعداد على الانقضاض على المسافرين والقوافل المؤلفة من عشرة اشخاص والتي ليس بأمكانها المقاومة. ففي مثل هذه الأحوال تكون الغنيمة مغرية بشكل كاف. وهؤلاء الأكراد نادرا ما يصبحون أكثر أمانا ومروضين و مؤتمنين بعد أن يجند ويستخدم الباشوات القوات النظامية لفرض الأمن والأستقرار في المنطقة. ولكن الأكراد مازالوا يصابون أحيانا بمزاجهم القديم و طبائعهم البدوية تحفزهم على مطاردة وأصطياد الفرائس. عندما يتقدم باشاوات الحدود في قارص وبايزيد بالقوات النظامية ضد الأكراد كي يستردوا منهم ما سلبوه بشكل غير قانوني ويؤدبونهم فأن اللصوص يعبرون الحدود الفارسية ويرسلون بعض الهدايا الى السردار(القائد الأعلى) في تبريز وبعدها يسكنون و يتسكعون في أراضي أذربايجان مع قطعانهم و قبائلهم ألى أن تصل أخبار سرقاتهم المتكررة مسامع المسؤولين في تبريز وخوي وأورمية. وبعد أن يكونوا عرضة للعقاب مرة أخرى تهرب هذه القبائل البدوية وعبر منحدرات أغري داغ نحو الأراضي الروسية. وبأهداءهم الحصن الجميلة لقوات الحدود القوزاق يحصلون على الأذن كي ينصبوا خيامهم في سهول ارارات. وأذا ما تصل الشكاوى من ممارساتهم اللصوصية الى مسامع المسؤولين الروس في اريوان فأنهم دائما يجدون ملاذهم الاخير في مرتفعات كردستان حيث يضمنون بالرشوة حماية بعض رؤساء القبائل الكرد الاقوياء، وينجون من قبضة القوات النظامية التركية." (واخنر (http://members.lycos.nl/ photo1/ki_mc.jpg)ص ? – 4)
والجدير بالذكر صاحَبَ التعريف المذكور للكرد في النصف الثاني من الالفية الميلادية الاولى معنى اخر وهو بدو الفرس. وفي هذه المصاحبة يمكن الاشارة الى مااورده كل من الطبري وموروني (سبق ذكرهما).
يشير الاكاديميين الخبيرين في التاريخ الكردي، مينورسكي وماكدويل، ايضا على معنى البدو لمصطلح الكرد:
يجزم الاخير في هذا الموضوع ويقول: "بالتاكيد بعد عصر الفتوحات الاسلامية بالف سنة كانت كلمة الكرد تعني طبقة اجتماعية اقتصادية معينة وليست اسما للقومية ويُطلق على البدو الذين يعيشون في المرتفعات الغربية لايران".
اما مينورسكي فيقول في مقالته الكوران: "كُتاب العرب والفرس الاخرين في القرن العاشر كانوا يطلقون كلمة الكرد على جميع البدو الايرانيين في غرب ايران".
يذكر الطبري في تاريخه، الذي يتكون من اكثر من ثلاثين جلدا، مصطلح الكرد في اكثر من عشرة مرات وفي دلالة واضحة الى شريحة اجتماعية كالمزارع او القروي. اما هيندس فيصر على الانتباه الى كلمة اكارا، والتي هي جمع لكلمة اكّار، عند البحث عن اصل كلمة الكرد. واكّار تعني الفلاح. (جوينبول ص5?)
الاختلافات الاساسية في اللغة تعتبر مؤشرا اخر على تعددية الاقوام في تشكيل المجتمع الكردي. (ماكدويل ص ?) يعتبر اكبر الاختصاصيين في اللغة الكردية، ماكانزي، هادنك، ماكدويل ومان، الكوران والزازا غير كردية ولايعتبرونهم اكرادا. (فان براونيسن ص?2?) ويرجعهما ماكدويل الى الدايلم او الخيلان. اما الكرمنجي والصوراني فتختلفان في القواعد والمفردات, (ماكدويل ، ص9 - ??)
يكوّن العشيرتين الكرديتين كالهور والبرزنجة اصل اكبر العشائر الكردية الحالية في ايران والعراق. ينحدر الاول بالنسبة لبنيامين تودالا من اليهودية والثاني من العرب.
يقول الطبيب والرحالة ربي بنيامين تودالا الذي زار شرق ايران في القرن الثاني عشر بان عشيرة كالهور الكردية لازالوا يحتفظون بالاسم (كالاه) اليهودية ويدّعون على انهم ينتسبون الى روحام او نبوخذنصر الذي حرر اليهود وعندهم الكثير من الاسماء اليهودية. وبالنسبة له كان مظهرهم الخارجي وملامح وجوههم يدل بقوة على الاصل الاسرائيلي. الكوران، الذين يعتبرون انفسم فرع من كالهور، ومعظم القبائل الاخرى في الجوار كانوا يعتنقون علي اللهية، العقيدة التي يتضمن مبادئ واضحة من اليهودية، الذي يمتزج وبشكل استثنائي مع اساطير الصابئة والمسيحية والاسلام. وحول ضريح بابا ياديكار المقدسة عند العلي اللهية يقول تودلا: كان يسمى معبد الياس اليهودية في زمن دخول العرب الى ايران. بالنسبة له تشكيل بنيامين وداود الرمزين الدينيين الاساسيين مع الامام علي عند العلي اللهية دليل اخر على الاصل اليهودي. وكان يهود اسبانية انذاك يعتبرون جميع علي اللهية من اليهود. (بنيامين بن يونا، الجلد الاول، ص160-161.)
اما العشائر البرزنجة الكردية الكبيرة فينحدرون من الاصول العربية ويعتبرون من السادة وينسب اصلهم الى اهل النبي. سكنوا همدان الايرانية في العصر العباسي وحسب ادموندس دخلوا الى العراق في القرن الثالث عشر وتحديدا في عام م??58. (ادموندس ص68) ويرجع اصل الكثير من العشائر الكردية كالعشيرة الطالبانية والخانقا في العراق الى عشيرة البرزنجة.
اليزيديين الذين لايزال الطابع العربي يطغى على ملابسهم وتقاليدهم فيرجع اصلهم الى الصابئة القاديمون من جنوب العراق ويقول الباحث الاثار الانكليزي لايارد، الذي قام بالاستكشافات الاركيولوجية في الموصل في اواسط القرن القرن التاسع عشر ولمدة اكثر من سنة: "أليزيديون عندهم اعتقاد على انهم جاءوا في الاصل من البصرة، والمدن التي تروى من قبل القسم الاسفل لنهر الفرات. سكنوا بعد الهجرة في سورية وبعد ذلك نزحوا الى جبل سنجار والمناطق التي يسكنونها الان في كردستان. هذا الاعتقاد، مع الطبيعة المميزة لعقيدتهم ومراسيمهم الدينية، يدل على الانحدار من الصابئة والكلدان. (لايارد ص?5?)
يشير ماكدويل الى ان الكثيرين من الاشوريين والسريان الاورثودكس قد تحولوا الى الكرد بعد معايشة بعصهما البعض في بداية الفترة الاسلامية ويقول ايضا في صعوبة تعريف الثقافة العشائرية الكردية: "ان الغموض في فهم التكوين العشائري الكردي واضحة في الاصطلاحات الذي يستعمل من قبل الكرد والماخوذة من العربية والفارسية والتركية في الاشارة الى المجاميع العشائرية". (ماكدويل ص?3)
العشائر الكردية التي تنحدر من الاصل الارمني فكثيرة. الاكراد الجلاليين الذين ينتشرون في جنوب شرق تركيا يعتبرون احد المجاميع المستكردة، وينقسمون الى ثمانية عشائر كبيرة، فيما يلي 6 منها: كوتانلي، صورانلي، حسنلي، كجنانلي، كابدكانلي، سينانكانلي. اعداد هائلة من الارمن في منطقة درسيم التركية اصبحوا اكرادا بعد ان اسلمو في القرن التاسع عشر. (مولينكس ص4?-68) ويعتقد الكثيرين من الكتاب على ان اعداد كبير من العشائر الارمنية قد استكردوا بعد القرن السادس عشر. كعشيرة ماماكانلى. (ماكدويل ص??)
لايخفى على الباحث عن اصل الكرد على ان لغة الكثير من القبائل التركمانية الذين سكنوا المناطق الجبلية في شمال العراق قد تحول الى الكردية. القبيلة التركمانية كرةكيج او قرةكيجلي يعتبر من القبائل التركمانية التي استكرد في التاريخ الحديث نسبيا. (فان براونسن، ماكدويل ص23) يتكلم ريج في عام 18?0عن تركمان في غرب مدينة سليمانية في منطقة بازيان ويسميهم دركزينلي تركمان (جلد 1، ص6?) وفي الصحيفة 4 من الجلد الثاني يقول ريج على ان هؤلاء التركمان كانوا ولازالوا يحتفظون باللغة والعادات التركمانية. (جلد 2، ص4)
كما يشك ماكدويل في الاصل الكردي للسلالات الحاكمة التي ظهرت في القرنين العاشر والحادي عشر: شدّاديون (?5? – ?075م)، مروانيون (?84 – ?083م) وحسن وايهيديون (?5? – ?0?5م). (ماكدويل ص?3) عشيرة الروّاديد يعتبر احدى العشائر العربية الكثيرة الذي استكرد مع مرور الزمن. نزحت هذه العشيرة العربية الى المنطقة الكردية في بدايات العصر العباسي (750 ميلادية) والذين اصبحوا اكرادا في خلال ???سنة، واسسوا امارة الرواديد.
في تحليله للاكراد الغير العشائريين، اي اهل المدن، يشكك ماكدويل مثل كثير من الاختصاصيين في الاصل الكردي لعشائر الكوران الكبيرة. ويقول على انه لاشك في ان اتركا وتركمانا بعد ان استقروا في المدن فقدوا هويتهم ارتباطاتهم الى قبائلهم واصبحوا اكرادا. (ماكدويل ص?7) ويعتبر ريج عشيرة زنكنة الكبيرة، الذي اصبح اللغة الكردية اليوم عندهم لغة الام ليسوا اكرادا. هاي ("](ريج جلد 1، ص271)
اما الاعداد الهائلة من الذين يسمون بالشيعة المتطرفة او الغلاة: كالعلويون والبكتاشيين والشبك وحتى علي اللهية الذين يتكلمون اليوم الكردية فيُرجع معظم المؤرخين والاختصاصين اصلهم الى التركمان. (موسى، صراف، الشيبي) وعلما بان الكرد لم يرفضوا هذه المذاهب فقط بل كانوا يكرهونها. ويقول ادوارد براون في حاشية الصحيفة 5?، الجلد الرابع من كتابه "تاريخ الادب الفارسي": "’جميع الاكراد، يقول التاجر الايطالي انونايماوس (في القرن السادس عشر؟)، هم محمديون حقيقيون بالنسبة الى السكان الاخرين لايران، اعتنق الفرس المذهب الصفوي، بينما لم يقبل الكرد الاعتناق به: رغم انهم لبسوا الغطرة الحمراء (شعار المذهب الصفوي والعلوي) ولكنهم كانوا يحملون في قلوبهم الكره القاتل لهم". (ادوارد براون ص5? الجلد الرابع) ونجد نفس التعريف عند السفير الايطالي في تبريز، باربارو، الى دولة اق قويونلو في القرن الخامس عشر. (باربارو وكونتريني ص?50)
اقليم كردستان