النداء المهيب
الشيخ عبدالمجيد فرج الله
علّمينـا
الاستاذ شفيق العبادي
علّمينـا فقـد سئمنـا الهـوانــا * كيـف يرقـى إلـى عـلاك مـدانـا
كيــف نسمـو إليـك يحـدو بنا الشـوق ، ويعلــو ذرى النجـوم علانـا
كيـف نحيـا وفوقـنـا يهتـف العزّ وتمـشـي نحــو السمـاء خطـانـا
ونــواري بعـزمنـا وإبـانــا * حاضـراً عاثـر الخطـى خـزيـانـا
عقمـت فيـه للفضيلــة رحــمٌ * وانطـوى أمسـه العزيـز مَهانـــا
كيـف شاخت بنـا الأماني وكانت * صرخـات الأمجـاد رجـع صـدانـا
كيف أودى بنـا الشتـات وعدنـا * يعثـر الـدرب والطريـق ســرانـا
كيــف يدنـو إلى رحابـك فكـرٌ * شلّـهُ الوهـم فانطـوى واستكانـــا
ويغنـي ـ كمـا اردت ـ يـراعٌ * نسـل الخـوف من لهـاه اللســانـا
علمينــا فقـد تهــاوى علانـا * وكبــا المجـد صاديــا ظمــآنـا
يا ابنة المصطفى وغرس المعالـى * وصـدى الحـق فـي ضميـر سمـانا
وصِـدى الحـق لــم يـزل يمـلأ الآفـاق شـدواً ويـرهــف الآذانــا
ونسيـج العفـاف تغــزل منـه * مريـم الطهــر للتـقــى أرادنــا
لك فـي خاطـر المحبـيـن يـوم * مَـلِك القلـب منهـم والجنــانـــا
كــم وقـفنــا عليـه نستـلهـم الذكرى ونُحيـي شـروقـه مهرجـانـا
« ونساقيـه من كؤوس القوافـي » * خمــرة الحـب والوفـاء دنـانــا
ونفــدّيـه بالنفـــوس إذا مـا * أمــل البغــي أن يهـض ولانــا
طالعـتـنـي ذكــراه تفتــرش الاُفـق علـى مفرق الــرؤى عنوانــا
ومشـت بـي إلى الوراء عصوراً * شمـت فيهـا وجـه النبــي عيانـا
حيث أحنـى عليك مذ لحت نـوراً * منه يضفـي علـى المـدى إيـوانـا
ورأى فيــك للــرسـالــة ينـبـوعـاً سيثري معينــه الأزمـانــا
وتباهـي بـك الوجــود ولـم لا * حيـث لـولاك مـا استقـام وكانــا
وتلــقّـاكِ طرفــه راعـف الجفــن وقد كـان خاشعــاً وسْـنـانــا
فنـثــرتِ الرجــاء فـي نفسـه الحيرى وأثلـجـــتِ قلبــه الحرّانـا
وفـرشـتِ الغــد المـهـوّم في الاُفـق على ضفــة الـرؤى ريحانــا
يا ابنة المصطفى وحسـب منانــا * أن يـرى عنـدك الـولاء مكــانـا
أتمــلاّك همـسـة مـن جنــون العـشـق تحدو بخافـقـي ألحـانــا
أسرت باحـة الفـؤاد فأرخـــى * فـي يديهـا كمـا تحـبّ العنــانـا
أرهقــت كبـريـاؤهـا عنـت الدهــر وأوهى صمـودها الأزمـانــا
كلّمـا شفّـهـا الغــرام تغـنّـتْ * فأهـاجـت بشــدوها الأكـوانـــا
وإذا مسّـهـا الشعــور تـراءتْ * فكــرة تمــلأ الوجــود بيـانــا
أتعبـت مبدعـاً وأقصـت يراعـاً * وأهاضـت فكــراً وشلّـت لسـانـا
يـا ابنـة المصطفـى ستبقين درباً * يهـب السائريــن فيـه الأمـانــا
وستبـقى ذكـراك في مسمع الدهر * نـشيــداً حلــو البيـان مصانــا
كلمـا راعهـا المخـاض بصبـحٍ * رقـص الدهـر حـولـه نشـوانــا
وإذا أبطــأ الزمــان أطـلّـت * من كُوى الخلد تستـحـثّ الزمـانــا
واحتضان الرسالـة البِكـر طفـلاً * ذبــت فيهـا مــــودةً وحنـانـا
فزكـت بـذرةً وطابـت جـذوراً * واشرأبت عبــر المـدى أغصـانـا
ورمــال البطـحــاء تحـضـن للتـاريخ فصــلاً مضمـخـاً أشجـانــا
كم شربنـا بـه الضنـى وحملنـا * غصـص الدهـر في الحشا بركانــا
واحتمـلنـا بــه الهجـيـر وأرضُ الحقــد تغـلـي رمالهــا نيـرانـــا
وعبـرنــا بــه الريــاح فمــا هيــض جنــاح ولا خفـضنـا بنـانا
والهـديـر الــذي مــلأ الأرض دويــاً قـــد استـحــال دخـانـــا
علمـينـا فقـد سئمنـا الهوانــا * كيـف يدنــو إلى عـلاك مدانـــا
........................................................................
وغامت عيونك بالاحتضار
وهذي المدينة
مذبوحة الشهقات
مبدّدة الحسرات
على نغم الوجع المستريح على رئتيك
كأنّ الزمان المعفّر بالانطفاء
المكبّل بالاحتباء
إلى بركة الوحل
يفترش الانكسار !
وحين يمرُّ على أنهر الرمش
ـ حيث تغطُّ سفائن أحداقنا باختناق الغرق ـ
نداؤك... يحضن آهته الهامسه
معلّقةً بنتوآت باب يشمّ فحيح اللظى
فينغرس الصدأُ المرُّ
يحمل كلّ نكوص الخطى اليابسه
وكلَّ تداعي الوجوه الخريفية العابسه
ويسكن بين الضلوع
جداراً
تحطّمه مهجةٌ تستحمُّ بوهج الألق
فيطغى الجوى الأبديُّ
لكلّ البراءاتِ.. كل المسافاتِ
وهي تتوقُ لنبضٍ نقيِّ الرفيف
يتوّج بالنور وجهَ النهارْ
وكانَ...
وكان المدى هائماً
والسماءُ الوليدةُ تائهةً
ما لها من قرارْ
وخلف خطاها الشرايين
ممتدّة إلى لألأ النور من جبهة العرشِ
وهو يبوحُ بسرًّ
يوزّعه الله حول مدى الكونِ
لا يحتويه ـ سواكِ ـ مدارْ
نداؤك
هذا الضعيف المحاصَرُ بالاختطافْ
يجيء إليَّ... إليَّ
فيخترق الغبَشَ اللهبيّ على معبر الحدق الغارقهْ
يُطاردُ كلَّ ذهوليَ
كلّ احتراقيَ
كلّ احتمالات صحوي المُعافْ
فأصرُخُ في السرِّ
حين توكّرُ آهتُك المستباةُ على شجني
ووجهي المرمَّلُ بالإندثارْ
يفزّ على نبرةٍ باسقة
تطوّقها الريحُ مجنونةً باللهيبْ
وبالصخب الجاهليّ المتاجر بالنبضِ
في لُمّةٍ من فضاءٍ غريبْ
فاُهرعُ ـ كالطفل يفقِدُ كلّ مرافي الأمان
اُطوِّفُ في جنبات الصباح الكسير
فتُمطرني الشمسُ أدمعَها الباهته
ويُعولُ خلفي الربيع المصفّدُ
والوردُ يهربُ..
والحدقات البريئةُ توغِلُ في البحر
يلتئمُ الاُفقُ بالرمد الأسود المُستعارْ
فاُغلق بابي
وركلُ اللُّهاث على ظهري المتبدّدِ في الوحل
يتبعُني
يستطيل يداً
تنتقي أوجهاً من عذابي
تبوّأت عند انهمار المواجع
هالة روحِك... وهي تشُدُّ الرحالْ
وبين يديها
تدُقُّ عنانَ السماء أصابع عُشبٍ يبيسْ
وحين توحّمت الأرضُ
كانت عصافيرُك الحائمات على شهقة البحرِ
تملأُ بالشدوِ والشجوِ سمعَ الترابْ
وتبحثُ بين أزيز الرمالْ
عن الوردِ...
أين أضاع خطاه ؟
وأسلم للصمت دفءَ شذاه ؟
وراح إلى ضفةٍ لن تُنالْ !
يصير دوائرَ محمومةَ الاستعارْ
فتجفل منها الذئابْ
وترتدُّ أصداؤها كطنين الذبابْ
ولكن
تظلُّ العصافيرُ مشدوهةً بالأغاريد والابتهالْ
ولمّا استطال سكونُكِ ذاك المهيبْ
ولم تقتحمْهُ دموعُ ( الحسين )
وآهةُ ( زينبَ )
أو حشرجاتُ نشيجِ ( الحسن )
تلوّتْ عصافيرك البيضُ والخضرُ
تنسُلُ ـ باكيةً ـ ريشَها بالرمادْ
ومن يومها
حين مالت يدُ الشمس وهي تُسلّم عند الغروبْ
على كلّ وجه أضاع الدروبْ
رأى الاُفقُ
كيف يشِبُّ الجنون بأعين كلّ الخطاطيفِ
والدمعُ يهطِلُ متّشحاً بالسوادْ !
أنا ـ الآنَ ـ اُهرَعُ خلف الخطاطيفِ
أنضحُ أدمعها بالعويلْ
أشمُّ احتراقَ دمِ ( الحسنين ) و( زينبَ )
وهو يُعاني مخاضَ الدموعْ
فتنزِلُ ناسيةً لونها الأحمر المتلثّم بالنارِ...
تبعد عني الخطاطيفُ
نحو مدىً يتلاشى...
تظلُّ تحومُ... تحومْ
تتابعُ تهويمَها في عيونِ النجومْ
......................................................
الطهر الاسمى
الشيخ عبد الكريم آل زرع
لكِ يـا بضعـة النبــي الوفــاءُ * مـن محـبٍ لا يعتــريه جفــاءُ
مزجــت ذاتــه بحـبـك حتـى * كـان منهـا كمـا يكــون البنـاء
فاستـوى فـي جنانـه منـه نهـرٌ * صــبَّ فيـه من الجـلال بهــاء
وجـرى فهـو في الحـنايـا عروج * لسمـــاء ومــا عليهــا سمـاء
وهـو فـي كونـه مدامـة حسـن * رشفــت مـن نميـرها الأعضـاء
فــإذا مقـلة تـنـم عـن الحـب وقلــب يسـتـاف منــه الصفــاء
ومحـيّـى يفـيض منـه جمـال العشـق عذبــاً مستعـذبــاً والسنـاء
يا أبنة المصطفى وحسـبـكِ فخـراً * انّـكِ الطهـر فاطــم الزهــراء
لكِ وجــه لـو أبصرتـه ذكــاءٌ * أدركت مـا هــو الضيــاء ذكاء
حزتِ أسمـى الصفات يا ابنة طـه * بعضهـا بعـد لـم تحـزها النسـاء
كَــلَّ فــي مدحــك اليـراع ومَـن رام محــالاً أودى بـه الإعيـاء
وكليـــل الجنــاح يستصعــب السفــح وتعلــوه قمـة شمّــاء
ما عسـى أن أقـول فيمَـن أبوهـا * خيـر مَن شرفـت بــه العـليـاء
سيـد الكـون باسمــه قــد تبـاهى الرسـل والأنبيــاء والأوليــاء
مـا عساني أقـول فـي بعلك الطهـر علــيّ وفـي يـديـه القضــاء
هـو للمصـطفـى وصـي وعنـه * صغــر الأوصـيـاء والأنبـيـاء
هـو قلـب الوجـود وهـو إمامـي * وأميـري إن عــدت الاُمـــراء
وبنـوك الأُلـى أضــاءوا زمانـاً * أليـلاً فـي ضمـيـره إغـفـــاء
وأحالـوا جـدب العواطـف خصباً * فانتـشـى العـدل واستـقام الإخـاء
ومـن النــبع يســتقي ومن النور علـى كـل ظـلمة يســتضــاء
فهـم النــور والحيـاة وشــيءٌ * ليـس يــدرى لكنّــه معطــاء
يا ابنـة المصطـفى ألفنـا الرزايـا * غيــر أنّـا مـن حبـكـم سعـداء
وصبـرنا وكـل صبــر جهــادٌ * وهتـفــنا أن منـكــم لا بـراء
دونـه سادتــي تسـال الدمــاء * دونـه الـروح إن روحـي فــداء
إنَ هـذا مـن الجهـــاد يسيــر * زرعتـه فـي قلبـنـا كـــربلاء
كيف أسعى ولستُ أمــلك شعـري * لـو غشـانـي مـدح لكـم وثنـاء
وإذا الذكـر خصكـــم بمديــحٍ * مـا عسـى أن تنمـنـم الشعــراء
يا ابنة المصطـفى عليـك سلامـي * مــا تغـنّـت بعشــهـا ورقـاء
.........................................................
الصوت المضيء
الشيخ علي الفرج
حُلُمي ذهولْ
لغَتي اصفرارٌ باردٌ وفمي ذبولْ
عيناي نَوْرَسَتان شاردتانِ ..
خلف الاُفق لا أدري أيرجعها الربيعُ
أم الخريفُ
إذا تسابقت الفصولْ
تتكسر الكلمات وسط دمي ويسرقها الافولْ
لا بدّ للوتر المحطّم أن يقولْ
الكون صمتٌ
كله صمتٌ
فلا شفةٌ..
ولا رئةٌ..
سـوى صـوتٍ مضيءٍ مـن بعيدٍ * ذاك صــوت رحــى البــتولْ
حُلُمي عذابْ
عبّأتُ أوردتي التهابْ
وحصدت خلفي ألف بابْ
وحملتُ أرصفتي لأبحث عنكِ في وسط الضبابْ
سافرتُ حتى ماتت الخطوات في قدميّ.. ماتت الماء من عطشٍ.. وجودي
صخرةٌ.. نافورةٌ لليأسِ.. مهلاً.. لحظةٌ مغسولةٌ جاءت لتقتلع اليبابْ
وهنا تساقط صوتُكِ الفضّيُّ
من أعلى..
تفتحت الصحارى أعيناً مجنونة نحو السماء. أجلْ..
إذا بك تفرشين على السما
سجادة لك من سحابْ
غسلـتُ أقدامـي التعبـى بذاكـرتـي * ورحـتُ اُطفـىءُ في مسراكِ أعصابي
أأنـتِ نافــورةٌ صلّـى لهـا عطشي * أم وردةٌ عَبَـدَتْـها كــلّ أطيـابـي
أم أنـتِ قطـرةُ ضوءٍ حولهـا ضربتْ * كـل النجـوم لهـا أعـراق أنسـاب
طفوتُ فوق غراماتـي وسـرتُ بهــا * زهراءُ واسمكِ محفـورٌ علـى بابـي
زهـــراءُ واسمـك أشيـاء مدلَّلــةٌ * تلهــو بها صلواتـي وسـط محرابي
زهــراءُ واسمـك في اسمائنا حـرمٌ * وفـوق كعبـتـهِ علَّـقـتُ أهدابــي
......................................................