طلال النعيمي المدير العام
عدد الرسائل : 1810 العمر : 67 تاريخ التسجيل : 31/12/2006
| موضوع: العنف في العراق الثلاثاء 20 نوفمبر - 8:10 | |
| العنف في العراق عرض : حنان الشمري : باحثة اعلامية واكاديمية اسم الكتاب: تاريخ العنف الدموي في العراق المؤلف: باقر ياسين : الناشر: دار الكنوز الادبية ان الاشوريين كانوا اشرس حكام العراق في تلك الفترة بحكم طبيعتهم الحربية والتي ادت الى ظهورهم كاكبر قوة عسكرية في المنطقة والذين عانت البلدان المجاورة ايضا منهم ، اذ تذكر الرقم الطينية بان الملك شلمنصر الاول قد قام باحراق اكثر من احدى وخمسين مدينة وسلبه لممتلكاتها وسبيه لرجالها ونسائها الى الابرياء الذين سيسحقهم العنف الدموي في الايام والسنين القادمة بهذه العبارة المحزنة والمؤلمة يستهل الاستاذ باقر ياسين كتابه (تاريخ العنف الدموي في العراق) والتي يختزل فيها معاناة بلاد مازالت تنزف دما ومالا وخيرات منذ اكثر من خمسة الاف عام من دون توقف. لقد سلط الاستاذ باقر ياسين في مؤلفه الاضواء على ظاهرة مازالت بلاد الرافدين تعاني منها ، بل وتمتد في جذورها الى البدايات الاولى للحضارة والتي بدات في هذه البلاد ، لكن هذا النشوء الحضاري لم يكن نقيا كما جاء في سرد الوقائع التاريخية التي ازدحم بها هذا الكتاب بل كان متزامنا ومليئا بالعنف والقسوة الهمجية والسلوك الدموي اذ كانت المرويات التاريخية التي بذل السيد المؤلف جهدا كبيرا في جمعها تؤكد حقيقة هذا السلوك الدموي وتجعلنا نتساءل مع الكاتب كيف يمكن لبلاد عريقة مثل بلاد الرافدين تمتلك كل ذلك الموروث الحضاري العنف الدموي والسلوك العدواني المدمر على مدى هذا التاريخ الطويل والتي نجد الاجابة عنها في عشرة فصول اشتمل عليها هذا الكتاب. قام الكاتب بترتيبها حسب الوقائع التاريخية ، اذ تضمن الفصل الاول احداث العنف الدموي في وادي الرافدين من فجر السلالات منذ عام 3000 ق.م وانتهاءا بالعام 539ق.م والتي زودنا فيها الاستاذ باقر ياسين بفكرة وافية عن المقدمات الاساسية التي ادت الى تجذر العنف في بلاد وادي الرافدين حتى اصبح ظاهرة ، اذ اشار المؤلف الى ان بلاد الرافدين شهدت نشوء ظاهرة (الدولة - المدينة) في عدة اماكن من هذه البلاد والتي كانت هذه المدن بمثابة ممالك ودول مستقلة ، لكن العلاقة فيما بينها لم تكن ودية وسرعان ما نشبت حروب بينها كانت ضارية ودامية والتي كانت بمثابة البذرة لنشوء هذه الظاهرة المأساوية على الرغم من ان هذه المدن هي التي قدمت للعالم اولى المجتمعات الزراعية وهي التي تم فيها اختراع الكتابة وفي هذه الحضارة تم اكتشاف المعادن مثل الحديد والنحاس والبرونز واستعماله في صناعة الادوات والالات الزراعية ، فضلا عن القوانين والشرائع لكن هذه المنجزات لم تكن كافية لمحاصرة العنف المتبادل بين هذه الممالك وما رافقتها من مشاهد القتل والتدمير المتبادل والذي ساعد سلوك الحكام والملوك على تفاقم تلك الظواهر، اذ كان الملوك والامراء القائمين على هذه الدول الصغيرة طغاة مستبدين لا يتورعون عن القتل وسفك الدماء حتى في مماتهم ، اذ تذكر المرويات والكتابات التي عثر عليها في المدافن الملكية ما ينص على دفن عدد من العبيد والخدم مع الملك عند موته ، وهؤلاء العبيد يجري قتلهم بطريقة وحشية ليتم دفنهم مع الملك لكي يقوموا بخدمته في العالم الاخر!. يشير الكاتب في هذا الفصل ايضا الى ان الاشوريين كانوا اشرس حكام العراق في تلك الفترة بحكم طبيعتهم الحربية والتي ادت الى ظهورهم كاكبر قوة عسكرية في المنطقة والذين عانت البلدان المجاورة ايضا منهم ، اذ تذكر الرقم الطينية بان الملك شلمنصر الاول قد قام باحراق اكثر من احدى وخمسين مدينة وسلبه لممتلكاتها وسبيه لرجالها ونسائها. ولقد اتسم سلوك الحكام الاشوريين بالمبالغة في القسوة مع سكان المدن التي يقومون باحتلالها من خلال اتباع سياسة تهجير هؤلاء السكان واسكانهم في مناطق اخرى وتخريب التركيب الاجتماعي والسكاني لهذه المدن ، ولم تقتصر قساوتهم على خصومهم بل فيما بينهم من خلال الصراعات التي نشبت فيما بينهم على الحكم ، لعل اشهرها حادثة تمرد شمش شموكين على اخيه الملك اشور بانيبال والتي انتحر فيها شموكين واحرقت مدينة بابل باكملها والتي جسدها الرسام العالي الكبير (لاكروا) في لوحة ما تزال معروضة في متحف اللوفر بباريس. هذا العنف المتبادل سواء بين الممالك والدول نفسها او مع جاراتها يعود بحسب راي الاستاذ ياسين الى الغنى والثروات الكبيرة وتوفر المواد الاولية التي تعد ضرورية لمدنيات تلك العصور وهو ما جعل بلاد الرافدين تعاني وتنقل معاناتها الى جاراتها من المدن في فلسطين وسوريا وتركيا ومصر. الفصل الثاني في هذا الكتاب كان امتدادا للفصل الاول والذي يتوقف فيه الكاتب عند ملوك الحيرة من المناذرة وسلوكهم الدموي وتلك الرواية التاريخية عن ملك الحيرة المنذر بن ماء السماء الذي قام باسر الملك الغساني الحارث بن ابي الشعر والذي قام بذبحه ضحية للعزى ، وعن سلوك ملك اخر من ملوك الحيرة الذي قام باحراق اكثر من 100 رجل من بني تميم وهم احياء. وتطرق الفصل الثالث الى احداث العنف الدموي في العراق منذ بداية الفتح الاسلامي وحتى نهاية الحكم الاموي اما الفصل الرابع فقد اقتصر على العصر العباسي في حين كان الفصل الخامس محصورا بالفترة ما بين الاحتلال المغولي الى عصر المماليك هذا العصر الذي جعل المؤلف يفرد له فصلا لاحقا لاهميته واقتصر الفصل السابع على ذكر حوادث العنف الدموي في القرن التاسع عشر ليتوقف الكاتب في فصله الثامن عند القرن العشرين ومظاهر العنف التي جرت فيه. وقد افرد الكاتب فصلا تاسعا اسماه انعكاسات العنف الدموي على طبيعة المجتمع العراقي والذي يعتبر اهم فصل في هذا الكتاب والذي بذل فيه الاستاذ باقر ياسين جهدا كبيرا من اجل الخروج بتحليل موضوعي لهذه .الظاهرة عبر تشخيص الدوافع والاسباب التي انعكست على ملامح الشخصية العراقية التي تأثرت سلبا بهذا العنف الذي كانت آثاره بشكل انماط وسلوك وتصرفات اتسمت بعدم الاستقرار والازدواجية والاندفاع المبالغ فيه في المدح ثم التحول السريع الى الذم وبالعكس ، كذلك التسرع في العنف والقوة تجاه الاخرين او التهديد بهما والميل العشوائي غير المسؤول، كيل التهم الاعتباطية، واصدار الاحكام العدائية القاسية والتنكر للعهود والانقلاب على مبادئ الصداقة وعدم الاستقرار النفسي في علاقات الاخاء والمحبة وشيوع روح الفرقة والانشقاق والتي ما هي الا انعكاس لتلك الظاهرة السلوكية السيئة من التقلب الانفعالي الحاد في المزاج النفسي عند الانسان في العراق. لقد حاول المؤلف استقصاء الاسباب والدوافع التي تقف وراء تفشي ظاهرة العنف بهذا الشكل المبالغ فيه لدى الشعب العراقي فتمكن من تحديد تسعة عوامل كانت تقف وراء ذلك وهي حسب ترتيب المؤلف: الغزوات والاحتلالات الخارجية والتي اعتبرها المؤلف من اول العوامل التي ساهمت او اسست لهذه الظاهرة باعتبارها المرحلة الاكثر سوءا وتخريبا والتي قامت بها الاقوام والقبائل المتوحشة والمتخلفة والاقل حضارة ومدنية في المنطقة وزحفها للسيطرة على العراق وخيراته وما نتج عنها ايضا من خراب ودمار واسع النطاق شمل العديد من المدن والممالك التي كانت مزدهرة في وادي الرافدين ، استمرت منذ الالف الثالث قبل الميلاد وحتى الاحتلال الانكليزي عام 1917م اي في مدة زمنية تقرب من 5000سنة. اما العامل الثاني المتمثل بالاطماع والنهب المتواصل لثروات العراق والتي قامت بها الاقوام الخارجية التي غزت ارض العراق والتي سببت ضغطا نفسيا شديدا على سكان البلاد حيث عرفت بلاد الرافدين بميزات فريدة كانت في مقدمتها توافر المواد الضرورية الاستراتيجية للنمو والتطور الحضاري في المراحل المبكرة من الحضارة الانسانية كالمياه والخصب والغلال وظهور الاختراعات المبكرة الاولى في تاريخ البشرية ، وقد جعلت هذه الخيرات العراق يدفع ثمنا باهضا من ثروته وامنه واستقراره السياسي والاقتصادي ، كما دفع خسائر هائلة من دماء ابنائه على مدى قرون عديدة تحت وطأة تلك الغزوات والاطماع. ولقد كان للمناخ والطبيعة الجغرافية تأثيرهما الاخر في نشوء هذه الظاهرة العنفية والدموية من خلال تغير مجرى نهر دجلة والفرات في اماكن ومواضع كثيرة ، يقترب ويبتعد فيها عن المدن مرات كثيرة ادت الى موت واضمحلال مدن وقرى كثيرة الامر الذي كان له تأثيرا سيئا في حياة اولئك السكان ، فضلا عن انعكاساته على اوضاعهم النفسية والعاطفية وكذلك عدم انتظار ظاهرة الفيضان السنوية سواء في مواعيدها او شدتها او حجمها في تلك الازمان ، وكذلك نضوب الماء وشحته صيفا الذي يؤدي في اغلب الاحيان الى وقوع اضرار جسيمة في انتاج المحاصيل المعيشية اضافة الى الكوارث الطبيعية ، مما يجعل هذا العامل يعمل وبمرور السنين على رفع وتيرة الاضطراب والقلق والتوتر النفسي لدى الانسان العراقي في وادي الرافدين. ولقد اسهم المنهج الدموي لدكتاتوريات العقيدة الواحدة باعتباره عاملا رابعا في انتاج وتوليد هذه الظاهرة عندما ادى التطبيق القسري الدموي لذلك النهج في هذه البلاد على مدى اكثر من خمسة الاف سنة ، والذي اقتضى تطويع المجتمع العراقي بكل الوسائل القهرية العنيفة وارغامه على الخضوع للمناهج الديكتاتورية في الحكم والذي لابد وان يترك تأثيره السلبي على البنية النفسية والسلوكية للانسان العراقي. ولقد كان العامل الخامس المتمثل بالخوف من المستقبل والتي شكلت ضغطا نفسيا كبيرا على الانسان ساهم في بلورة حالة القلق والشك والخوف والتشاؤم والحذر والتصعيد الدائم لوتيرة الظن التشككي بالاخرين وكرههم تدفع للنزوع نحو درء الخطر والشر الوهمي الداهم المفترض بمجموعة من التصرفات الشريرة ذات الطبيعة العدوانية. كما اسهم الجهل والامية باعتبارها العامل السادس في استشراء ظاهرة العنف الدموي خاصة وانه في ظل القرون الطويلة من الحروب والخراب والتخلف والمذابح والكوارث الطبيعية التي تركت في العراق تخلفا كبيرا ادى الى انتشار الجهل والامية والتخلف الثقافي والعلمي خصوصا في الفترة المظلمة التي دامت عدة قرون والتي شكلت المناخ المناسب لظهور وتنامي الطباع البدائية والغريزية والعواطف السطحية الفجة لدى المواطن العراقي وهي تترافق احيانا بالعادات والمشاعر والتقاليد البدائية والقبلية البائدة وردات الفعل السطحية المباشرة في ممارسة العنف والتمرد والعصيان اضافة الى عقدة الاضطهاد والقهر التي عانى منها الانسان في العراق طويلا مما جعلها تنعكس في سلوكه وميوله وتصرفاته ومزاجه الشخصي. ووجد الباحث ان الصراع بين البداوة والحضارة باعتباره عاملاً اخر اضافياً لا يمكن اغفاله في اية دراسة تتعلق بطبائع الشعب والفرد في العراق الذي يقف محاصرا بين نظامين متناقضين من حيث القيم الاجتماعية ، قيم البداوة الاتية من الصحراء المجاورة وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم ، وبحسب وصف العالم الاجتماعي العراقي الكبير د. علي الوردي (بانه شعب حائر قد انفتح امامه طريقان متعاكسان ومضطر للسير فيهما في آن واحد). وأفرد الكاتب فصلا كاملا للعوامل البيولوجية والفسيولوجية التي تقف وراء هذه الظاهرة عندما وجد اسباباً ثانوية اخرى تقف وراءها مثل الظهور المتكرر لدكتاتورية العقيدة الواحدة في العراق ونشوء ظاهرة (التمثيل) بالموتى وقسوة التنكيل بالخصومكما بين المؤلف وجود عدة مظاهر ازدحم بها التاريخ العراقي القديم نتيجة لهذا العنف الدموي من بينها كثرة عدد الحكام الذين ماتوا قتلا في التاريخ العراقي عندما اعد المؤلف قائمة باسماء حاكما عراقيا ماتوا قتلا، وكذلك شيوع ظاهرة زوال المدن العراقية السريع او ما يعرف (بانتحار المدن) ، فضلا عن التدمير المفجع للاثار والثروات والتراث الحضاري والفني والثقافي ، ويرى الكاتب في ختام عرض هذه النتائج بانها ادت الى تطبيع المجتمع العراقي بالجدية والتذمر والحزن الدائم. وفي الفصل العاشر والاخير من الكتاب تطرق الباحث فيه الى الحلول المقترحة لانهاء نهج العنف الدموي في العراق بعد ان تناول الكاتب في هذا الفصل الجوانب الايجابية المشرقة التي يتسم بها شعب بلاد الرافدين وكيف استطاع في ظل هذه الطاحونة الدموية من المآسي والاضطراب والمجازر والهموم ان يقدم هذا النتاج الهائل من الحضارة والثقافة والمدنية التي تظل موضع الفخر والاعتزاز الدائم. وبحسب راي الباحث الاستاذ باقر ياسين فان هذه الحلول تنصب في ثلاث نقاط رئيسةالاولى: اعتماد الديمقراطية كنظام للحكم السياسي وكاسلوب ومنهج لحياة الشعب العراقي سياسيا واجتماعيا عبر تثقيف الشعب العراقي وتربيته على الروح الديمقراطية ليستطيع تقبل المنهج الديمقراطي في الحياة والقيام بحملة نوعية ثقافية واسعة وطويلة الامد للتاثير على قناعات الفرد العراقي والشارع العراقي وتبديلها كي يكون مؤهلا لتقبل الحلول الديمقراطية على الاصعدة الحياتية كافة ويبتعد عن اسلوب الانقلاب عليها والعودة للمنهج الفردي التسلطي. والثانية في اعادة احياء الراي العام العراقي الحر الذي سحق وتلاشى تأثيره تحت سياط الخوف والرعب وضربات الديكتاتوريات المتعاقبة ليكون سندا وداعما للعملية الديمقراطية المنتظرة. وفي الختام يرى الباحث بان اقرار خطة جريئة تطبق بواسطة اجراءات تنفيذية حازمة لتعزيز وتقوية السلطات القضائية بكل ابعادها ومفاهيمها والارتقاء بها الى مستوى رفيع اداريا وماليا واجرائيا واعطائها الحرية الكاملة والصلاحيات الواسعة الحقيقية لتكون قادرة ليس على الدفاع عن القوانين وحماية حقوق المواطن وحياته فحسب بل لتشكل ضمانة فعلية لحماية الحريات العامة والحقوق المدنية والسياسية وصيانة المنهج الديمقراطي عموما في البلاد ولتشكل عائقا حقيقيا امام عودة الديكتاتورية الدموية للحكم. ويرى الباحث ايضا ان ايصال المواطن الى هذا المستوى من الوعي والالتزام الاجتماعي الفعلي بحقوقه لا يتم الا عبر دستور دائم يصون الحريات بكل اشكالها ومستوياتها ويشكل ضمانة اكيدة لحماية الشعب من العودة لمنهج العنف الدموي وردات الفعل الهمجية التي هي المقدمات الاولى لاشاعة المناهج الديكتاتورية من جديد ومن خلال سلطات قضائية حرة وذات نفوذ فعال وقوة اجرائية حقيقية نافذة مستندة الى قوانين تسنها مؤسسات تشريعية حرة منتخبة من قبل الشعب. | |
|