سويعات قبل رحيل الشهيد عارف الشبكيغانم الموسوييوم الرحيل
ذكرتني بذات نفس اليوم الحزين وغروب الشمس وتساقط أوراقي وحبي الدفين ...
ذاك اليوم عندما غاب وغبت معه ... ذكريات لم تصبح ذكريات ...
ولكنها كما يقولون سنين ...
جاء الخريف وبدأت تتساقط أوراقي ...
أول ورقة استنزفت حلمي وارتمت بين الأوراق ...
ثاني ورقة أنهكت جسدي وغابت مع الرياح ...
وتتالت الأوراق ... وتتال حزني ...
وأنا هناك أحاول جمعها قبل أن يغيب الخريف ...
فتضيع ذكرياتي التي ما صارت ولن تصير ذكريات
وغاب الخريف ... وبدأت بالتراجع إلى الوراء ...
لن أسمح بجفاف أوراقي ... وأرفض جديد الأوراق ...
حزنت وشعرت بمرارة الأحياء ... واحتفظت بأوراقي ...
فلن ترحل عني كما رحل ... ولن تغيب عني كما غاب ...
يوم الجمعة
أبي ألم تقل لي يوماً أنك لن تغيب ...! ( 1 )
رحل البطل الشبكي عارف يوسف قمبر الشخصية الموصلية المتميزة في منطقة سهل نينوى وترك خلفه أرثا أخلاقيا، ثقافيا وفكريا ونضال سنوات عديدة من المناداة بحقوق الإنسان العراقي وخاصة الشبكي وعمل المستحيل من أجل تقليل معاناتهم وتغيير أحزانهم إلى أفراح ومأساتهم إلى قيم عليا من الصبر والجهاد.
بعد رحيله لم يبق لنا سوى الحفاظ على هذا الإرث والسيرة الذاتية لشخصه الكريم وإعطاءه القليل القليل من حقوقه المستحقة علينا، حقوق الصداقة والجيرة، حقوق المبدأ والفكر الواحد.
منذ أن سمعنا وعلمنا باستشهاد قمبر " رحمه الله " والحزن لم يوقف تلك الخواطر والصور الجميلة التي جمعتنا في الأيام السابقة، وللتاريخ نذكر السويعات الأخيرة قبل استشهاد البطل مروية من أقرب الناس إليه .
نهض الشهيد البطل صباح يوم اغتياله قبل فترة نهوضه اليومي بكثير ليؤدي صلاة الليل ويمسك بكتاب الله ليتلو منه ما كان مشهودا وشاهدا وبعدها أدى فريضة الصباح وأطال فيها كثيرا، من باب الأدعية والتوسل والمناجاة الى البارئ عز وجل وبعد الانتهاء من الفرائض خرج من الدار مسرعا ليتسوق مستلزمات الفطور الصباحي وكأنه على موعد مع نيل الشهادة حاله كحال ألاف المؤمنين من الشيعة الذين استشهدوا لأنهم ينتمون الى المذهب الجعفري أو لقيامهم بأعمال تصب في خانة الحق ضد الباطل ولدى عودته طلب جميع أفراد عائلته بترك الفراش مبكرا" حيث قرر مشاركتهم في الفطور الصباحي وهذا ما لم يفعله سابقا لأن الجميع مرتبطين بأعمالهم ووظائفهم وكل فرد ملتزم بأوقاته المحددة .
أفراد عائلته أصابتهم الحيرة على هذه الالتفاتة وبدؤوا بطرح الأسئلة حول ماهية المشاركة جميعا في الفطور الصباحي، فأجاب بثقة وأيمان كبيرين :
قررت اليوم الجلوس جميعا على مائدة الإفطار لأن مشاركتي لكم في هذه الوجبة وفي هذا اليوم ستكون الأخيرة.
ألذهول أصاب الجميع والدهشة بانت على سيماهم وبدؤوا بتوجيه الأسئلة :
ماذا تعني إنها الوجبة الأخيرة ؟
نعم يا أولادي ، إنها وجبتي الأخيرة معكم لأنني رأيت في منامي هذه الليلة ما يجعلني واثقا من عدم جلوسي هكذا معكم مستقبلا، حيث رأيت عرسا لم أشاهد مثيله في حياتي وعند سؤالي " لمن العرس قيل لي أنه عرسك يا أبا محمد " ، فوالله لم أجد عرسا أروع مما شاهدته ولم أشعر بحلاوة الدنيا كما شعرتها في منامي وفي تفاصيل العرس الذي يتمناه الجميع.
أمامي كانت تقف امرأة تضع الحجاب على وجهها ، أما جمالها فسبحان الخالق ومن غير الممكن إيجاد الكلمات والعبارات اللائقة لوصف هذا الجمال وتصورت حينها أنها حورية من حواري الجنة فاقتربت منها لأرفع الحجاب عن وجهها وإذا بها تقول :
اصبر قليلا، سترى وجهي بعد سويعات وعندها ستكون بجانبي ومعي للأبد وإلى أن يشاء الله وسأكون ملكا لك لأن الله سبحانه وتعالى اختارني زوجة لك، وبعد أكثر من ساعتين سيقدم رجال ليشاركوا في هذا العرس وستراهم جيدا من خلال أعمالهم البربرية وعبر تصرفاتهم الإجرامية سيتم البدء بمراسيم العرس.
بهذه العبارات وبهذا الحديث أنهى الشهيد البطل تفاصيل منامه وقال :
لهذا قررت مشاركة الجميع وجبة الفطور الصباحي والأخير لي في حياة الدنيا.
حاول أفراد العائلة منعه من الذهاب لتأدية واجبه فلم يرضخ لمطالبهم لأن مهمة اليوم من أصعب المهام وهي تتعلق بالوضع الداخلي للمدينة ولأنهم كمسؤولين ومنذ فترة طويلة يحاولون التصويت لمنصب معين يمكن من خلاله تحقيق مطالب أهالي المدينة التي عانت منذ شهور توقف الخدمات فيها لذا فهو مصر على الذهاب من أجل تحقيق هذا الهدف.
خرج من بيته ذاهبا لأداء واجبه ، واجبه الذي أماته وقضى عليه ليزف الى الحورية التي رآها في منامه والتي شاء الله أن يراها ليكون دليلا له ولنا على ثواب المخلصين .
هنيئا لك يا شهدينا قمبر عرسك الرباني وثواب الرحمة والمغفرة، وهنيئا لك الشهادة فو الله أنت لست ميتا ولكنك وكما قال سبحان من قائل " { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } البقرة 154
{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } آل عمران 169
هنيئا لك الفوز بالجنة ونقولها لك كما قالها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام " فزتَ ورب الكعبة ) فسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.
( 1 ) زهرة النرجس