جامع الرابعية وحكاية اعماره
عبد الجبارمحمد جرجيس
عرفت الموصل بجوامعها المتعددة وجامع الرابعية من جوامع الموصل المهمة.يقع في محلة الرابعية سميت المحلة والجامع باسم المرحومة رابعة خاتون بنت اسماعيل باشا الجليلي سنة (1180هـ/766م)وأوقفت عليه أوقافا كثيرة بموجب الوقفية التي أنشأتها في شهر شعبان سنة (1181هـ/1767م)وجعلت التولية باسم(محمد أمين باشا الجليلي)ولذريته من بعده .وعينت في الوقفية أرباب الوظائف ومخصصاتهم،ثم جعلت في الجامع مدرسة لتعليم علوم القران والعلوم الدينية .ثم أوقفت بعد ذلك وقفا للخيرات سنة (1197هـ/1783م)..بعدها توفيت رحمها الله سنة (1217/1802م).ودفنت في الجامع نفسه في مكان خاص بالعائلة .ثم أنشأ الحاج عثمان بك بن سليمان باشا بن محمد أمين باشا الجليلي المولود سنة 1187هـ/م1764)
والمتوفى فيها سنة (1245هـ/1829م).مدرسة لتعليم العلوم الدينية وأوقف لها كتبا كثيرة. كانت المرحومة رابعة خاتون في فترة حصار الموصل من قبل نادر شاه (قولي خان)سنة 1156هـ/1734م).وكان والي الموصل والمدافع عن حباضها آنذاك المرحوم الحاج حسين باشا الجليلي وقائدها .فعرض على رابعة وإخوانها ونسائهم ،إخلاءهم خارج الموصل لمكان آمن فيما اذا نشبت الحرب حفاظا على أرواحهم وخوفا من ان يقعوا اسرى بيد الأعداء .فقالت المرحومة (رابعة)للباشا...(نحن لن نخرج الى خارج المدينة وحالنا حال نساء الموصل الكرام.ولكن نطالب ان تبقي معنا رجلا حازما فض القلب ،اذا ما تم اقتحام الموصل .فعليه ان يقتلنا جميعا حتى لانقع في الأسر).وهذا ما أكده لي الأستاذ الدكتور الفاضل محمود الجليلي رئيس جامعة الموصل الأسبق.هذه هي رابعة .اما جامعها .فقد أرخه الشاعر(سعد الدين الموصلي )بأبيات شعرية كانت مكتوبة على ابواب المصلى وشبابيكه ومنها:
مقام الزهد هذا دار تقوى فكم يلقى المصلي من رياح
خطيب الخير ينهى الناس فيه عن المكروه يأمر بالصلاح
له الأنوار تسطع من يراها ولو أعمى يصلي بانشراح
فمذ قد كان فردا طال فردا لذي الخيرات أدعو بالنجاح
به أرخت زاه قسم تعبد وحوقل عند حي الفلاح
في المصلى محراب من المرمر يحيطه الزجاج وتعلوه مناشير على شكل مقرنصات ويزين صدره أغصان تحمل زهرة اللوتس ..في الجامع (منبر)على يمين المحراب .مزين بالدوائر والزخارف الجميلة ،متناظرة ،او أغصان تنتهي بزهرة اللوتس أيضا وتكون متقاطعة مع بعضها.
اما قبة الجامع فهي من القباب المميزة بكبر حجمها وهي تستند على أقواس من المرمر، مرتكزة على دعامات هي الأخرى من المرمر مثمنة الشكل وبارتفاع مترين ..
أسفل القبة المقرنصات المزخرفة التي تستخدم في فن البناء الموصلي من مادة الجص،وتكون كل مجموعة منها متناظرة من المقرنصات الأخرى وهي على شكل نصف دائرة فوق المثمن الحاصل من هذه المقرنصات وفي أسفل القبة زخارف جصية أيضا.اما ظاهرة هذه القبة فهي مادة الآجر الذي استخدم في بعض القباب والمنائر الموصلية لخفته، ومزخرف بأشرطة من مادة الآجر الملون بالأزرق القاتم.
ابواب الجامع :
باب المصلى الكبير من خشب الصاج الجيد ومزخرف بزخارف وأغصان الأشجار المطعمة، حيث امتازت الموصل بفن التطعيم وعلى مر الزمن تقادم الباب وصبغ عدة مرات وطمست معالمه اما الأروقة التي امام المصلى فهي في حالة جيدة وتحتوي على كتابة خطت، في سنة 1292هـ بما يلي:
عمارة جامع الخيرات فاقت
وطبتم فادخلوها خالدين
بحمد الله نادى ان نورخ
فرشد نعم اجر العاملين
وكان في فناء الجامع مدرسة لدار القرآن درس فيها العديد من المدرسين منهم الشيخ سعد الله الموصلي والشيخ مصطفى الدباغ ومحمد أفندي الدباغ والشيخ المرحوم محمد صالح أفندي الجوادي. كذلك كان فيه المدرسة العثمانية التي بناها الحاج عثمان بك الحيائي الجليلي ويقع الجامع قرب مدرسة يحيى باشا الجليلي ومكتبته العامرة التي نقلت الى مكتبة الأوقاف. على مر الزمن أهمل هذا الجامع، وتعطلت فيه اقامة الجمعة والصلوات الخمس وتهدم معظم معالمه وأصبح موقعا للأوساخ والازبال وأمه الكثير من الشباب المنحرف للشرب والعربدة في خرائبه. في سنة 1965 عندما كنت مديرا لأوقاف نينوى شاهدت الجامع بوصفه البائس وتشاورت مع بعض العلماء من رجال الدين المعروفين وهم المرحوم ذنون البدراني وخليل صالح حمودي وإبراهيم النعمة والمرحوم فيضي الفيضي ووالده محمد امين محمد شريف الفيضي وعبد الوهاب عزيز وهب الشماع وبدر اسعد فتاح الهلالي ومساح الأوقاف الأخ نبيل شيت جاسم وبعد عدة لقاءات تمت الموافقة على تشكيل لجنة تأخذ على عاتقها القيام بجمع المبالغ اللازمة للترميم والقيام بحملة تبرعات من المسلمين لهذا الغرض. وتم اضافة المهندس المعماري عبدالله طيبو ومقاول آخر الى اللجنة وصمم الجامع في الوضع الذي كان فيه سابقاً. كانت اللجنة برئاستي وعضوية العلماء الذين ذكرت اسماؤهم سابقا مع اضافة المرحوم يونس جلعوط الى اللجنة لمتابعة البناء. ثم طلبت من السيد وزير الأوقاف سابقا للموافقة على القيام بالصيانة على حساب اهل الموصل بعد ان شرحت له أهمية الجامع ومكانته التراثية فوافق على ذلك. وبدأت حملة التبرعات وقد أبلى فيها الشيخان صالح خليل حمودي والمرحوم فيضي الفيضي جهودا مثمرة وصادقة وباندفاع واضح تمت المباشرة بالعمل لغرض اعادة الجامع الى مجده السابق وتم انجاز حوالي 20% من التعمير وساهم الاستاذ الدكتور محمود الجليلي رئيس جامعة الموصل الاسبق وكبير آل الجليليين في ذالك الوقت بالصرف على اعادة الجزء الكامل لمقبرة الجليليين والمدفونة فيها (رابعة الجليلي) رحمها الله. كما ساهم في ابداء الآراء والطروحات العلمية في كيفية مواصلة الترميم. وتسارعت الايام والجامع يزهو بإعادة شبابه شيئا فشيئا وتبرز ملامح الجامع حيث شمل البناء والترميم اعادة المدرسة الدينية والغرف العائدة لها مع مدرسة دار القرآن. وبناء جناح للخطيب والامام وفي مرحلة من مراحل البناء أعلمتنا ديوان الرئاسة آنذاك عن طريق لجنة من ديوانهم ان الرئاسة ستساهم في إكمال الترميم لهذا الجامع. وبعد اللقاء مع اللجنة وأجواء الكشف الموقعي على الجامع وما يحتاجه من المبالغ تم اعداد تقرير آخر موسع عن احتياجات الجامع ورفعت الى الديوان في حينه وبعد فترة قصيرة حصلت الموافقة على صرف المبالغ اللازمة لاكمال العمل حيث بلغت هذه التكاليف في حينه في حدود اكثر من (100) مليون دينار. واستمر العمل بهذا المشروع وساهمت المهندسة السيدة بشرى مهندسة الأوقاف بهذه العملية. في منتصف سنة 1996 تم نقلي الى موقع آخر وأصبح الشيخ بدر الهلالي مدير للأوقاف وواصلت اللجنة عملها بإكمال الجامع وكان في مراحله الاخيرة. وأصبح بدر رئيسا للجنة حتى اكمل الترميم وظهر الجامع بحلته الجديدة وعادت هيئته الى ماكانت عليه وتم غلق الباب الرئيس له وفتح باب جديد في منتصف واجهة باب مدخل المصلى. وعندما انتهت أعمال الصيانة والترميم حدد موعداً لافتتاح الجامع خلال حفل افتتاح حضره السيد وزير الأوقاف السابق وعدد كبير من المدعوين وللتاريخ والأمانة لم يقدم لي مدير الأوقاف الشيخ بدر الهلالي دعوة لحضور هذا الافتتاح وكنت احتسب هذا العمل لله. فان ما عند الله باق وما عندنا من جاه او نفوذ زائل والباقيات الصالحات خير عند ربك.
عن جريدة عراقيون