عدم تحرف القرآن
سيد علي الميلاني
..........................................................
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله خير الخلق أجمعين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين . موضوع تحريف القرآن لا يكفيه مجلس واحد ولا مجلسان ولا ثلاثة مجالس إذا أردتم أن نستوعب البحث ونستقصي جوانبه المتعددة المختلفة ، أما إذا أردتم الإفتاء أو نقل الفتاوى عن الآخرين من كبار علمائنا السابقين والمعاصرين ، فأنقل لكم الفتاوى ، ولكنكم تريدون الأدلة بشئ من التفصيل . فإليكم الآن صورة مفيدة عن هذا الموضوع ، وبالله التوفيق .
.............................................
سلامة القرآن من التحريف
لا ريب ولا خلاف في أن القرآن المجيد الموجود الآن بين أيدي المسلمين هو كلام الله المنزل على رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهو المعجزة الخالدة له ، وهو الذي أوصى أمته بالرجوع إليه ، والتحاكم إليه ، وأفاد في حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين أن القرآن والعترة هما الثقلان اللذان تركهما في أمته لئلا تضل ما دامت متمسكة بهذين الثقلين .
هذا الحديث مروي بهذه الصورة التي أنتم تعلمونها ، وفي أحد ألفاظه : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .
إلا أن بعض العامة يروون هذا الحديث بلفظ : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي ، وقد أفردنا رسالة خاصة بهذا الحديث ،
وهي رسالة مطبوعة منتشرة في تحقيق هذا الحديث سندا ، ودلالة ، إلا أني ذكرته هنا لغرض ما .
أئمتنا صلوات الله عليهم اهتموا بهذا القرآن بأنواع الاهتمامات ، فأمير المؤمنين أول من جمع القرآن ، أو من أوائل الذين جمعوا القرآن ، وهو والأئمة من بعده كلهم كانوا يحثون الأمة على الرجوع إلى القرآن ، وتلاوة القرآن ، وحفظ القرآن ، والتحاكم إلى القرآن ، وتعلم القرآن ، إلى آخره . وهكذا كان شيعتهم إلى يومنا هذا .
والقرآن الكريم هو المصدر الأول لاستنباط الأحكام الشرعية عند فقهائنا ، يرجعون إلى القرآن في استنباط الأحكام الشرعية واستخراجها .
إذن ، هذا القرآن الكريم ، هو القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالى ، وهو الذي اهتم به أئمتنا سلام الله عليهم ، وطالما رأيناهم يستشهدون بآياته ، ويتمسكون بآياته ، ويستدلون بها في أقوالهم المختلفة ، فإذا رجعنا إلى الروايات المنقولة نجد
الاهتمام بالقرآن الكريم والاستدلال به في كلماتهم بكثرة ، سواء في نهج البلاغة أو في أصول الكافي أو في سائر كتبنا ، والمحدثون أيضا عقدوا لهذا الموضوع أبوابا خاصة ، ولعل في كتاب الوافي أو بحار الأنوار غنى
وكفاية عن أي كتاب آخر ، حيث جمعوا هذه الروايات في أبواب تخص القرآن الكريم .
حسبنا كتاب الله :
النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خلف في أمته القرآن ، وأمرهم بالتمسك بالقرآن مع العترة ، وعلى فرض صحة الحديث الآخر ، أمرهم بالتمسك بالكتاب والسنة ، إلا أن من الأصحاب الذين يقتدي بهم العامة من قال : حسبنا كتاب الله ، ففرق هذا
القائل وأتباعه بين الكتاب والعترة ، أو بين الكتاب والسنة ، وحرموا الأمة الانتفاع والاستفادة من العترة أو من السنة ، وقالوا : حسبنا كتاب الله ، إلا أنهم لم يحافظوا على هذا القرآن الكريم ، هم الذين قالوا : حسبنا كتاب الله ، تركوا تدوين
الكتاب الكريم إلى زمن عثمان ، يعني إلى عهد حكومة الأمويين ، فالقرآن الموجود الآن من جمع الأمويين في عهد عثمان ، كما أن السنة الموجودة الآن بيد العامة هي سنة دونها الأمويون ، ولسنا الآن بصدد الحديث عن هذا المطلب .
المهم أن نعلم أن الذين قالوا : حسبنا كتاب الله ، لم يرووا القرآن ، تركوا تدوينه وجمعه إلى زمن عثمان . ولكن عثمان الذي جمع القرآن هو بنفسه قال : إن فيه لحنا ،
والذين جمعوا القرآن على عهد عثمان وتعاونوا معه في جمعه قالوا : إن فيه غلطا ، قالوا : إن فيه خطأ .
إلا أنك لا تجد مثل هذه التعابير في كلمات أهل البيت ( عليهم السلام ) ، لا تجد عن أئمتنا كلمة تشين القرآن الكريم وتنقص من منزلته ومقامه ، بل بالعكس كما أشرنا من قبل ، وهذه نقطة يجب أن لا يغفل عنها الباحثون ، وأؤكد أنك لا تجد في رواياتنا كلمة فيها أقل تنقيص للقرآن الكريم .
فالذين قالوا : حسبنا كتاب الله ، وأرادوا أن يعزلوا الأمة عن العترة والسنة ، أو يعزلوا السنة والعترة عن الأمة ، هم لم يجمعوا القرآن ، وتركوا جمعه إلى زمن عثمان ، وعثمان قال : إن فيه لحنا . وقال آخر : إن فيه غلطا .
وقال آخر : إن فيه خطأ . ( 1 ) ثم جاء دور العلماء ، دور الباحثين ، دور المحدثين ، فمنذ اليوم الأول جعلوا يتهمون الشيعة الإمامية الاثني عشرية بأنهم يقولون بتحريف القرآن .
* هامش *
(1) راجع : الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2 / 47 ، تفسير الرازي 22 / 74 ،
الإتقان في علوم القرآن 1 / 316 ، فتح الباري 8 / 301 ، معالم التنزيل . ( * )
معاني التحريف
إن للتحريف معاني عديدة :
التحريف بالترتيب : هناك معنى للتحريف لا خلاف بين المسلمين في وقوعه في القرآن الكريم ، يتفق الكل على أن القرآن الموجود ليس تدوينه بحسب ما نزل ، يختلف وضع الموجود عن تنزيله وترتيبه في النزول ، وهذا ما ينص عليه علماء
القرآن في كتبهم ، فراجعوا إن شئتم كتاب الإتقان لجلال الدين السيوطي ، ترونه يذكر أسامي السور ، سور القرآن الكريم بحسب نزولها .
وأي غرض كان عندهم من هذا الذي فعلوا ؟ لماذا فعلوا هكذا ؟ هذا بحث يجب أن يطرح ، فقد قلت لكم إن المجلس الواحد لا يكفي . ترتيب السور وترتيب الآيات يختلف عما نزل عليه القرآن
الكريم ، ترون آية المودة مثلا وضعت في غير موضعها ، آية التطهير وضعت في غير موضعها ، ترون آية ( أكملت لكم دينكم ) وضعت في غير موضعها ، سورة المائدة التي هي بإجماع الفريقين آخر ما نزل من القرآن الكريم ، ترونها ليست
في آخر القرآن ، بل في أوائل القرآن ، ما الغرض من هذا ؟ فهذا نوع من التحريف لا ريب في وقوعه ، وقد اتفق الكل على وقوعه في القرآن .
التحريف بالزيادة : وهناك معنى آخر من التحريف اتفقوا على عدم وقوعه في القرآن ، ولا خلاف في ذلك ، وهو التحريف بالزيادة ، اتفق الكل وأجمعوا على أن القرآن الكريم لا زيادة فيه ، أي ليس في القرآن الموجود شئ من كلام الآدميين وغير الآدميين ، إنه كلام الله سبحانه وتعالى فقط .
نعم ينقلون عن ابن مسعود الصحابي أنه لم يكتب في مصحفه المعوذتين ( 1 ) ، قال : لأنهما ليستا من القرآن . إلا أن الكل خطأه ، حتى في رواياتنا أيضا خطأه الأئمة سلام الله عليهم .
* هامش *
(1) مسند أحمد 5 / 129 ، الإتقان في علوم القرآن 1 / 271 . ( * )
فليس في القرآن زيادة ، وهذا معنى آخر من التحريف .
التحريف بالنقصان : المعنى الذي وقع فيه النزاع هو التحريف بمعنى النقصان : بأن يكون القرآن الكريم قد وقع فيه نقص ، بأن يكون غير مشتمل أو غير جامع لجميع ما نزل من الله سبحانه وتعالى بعنوان القرآن على رسوله الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هذا هو الأمر الذي يتهم الشيعة الإمامية بالاعتقاد به . ...........
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
]