[رسالة مختصرة في النصوص الصحيحة على إمامة الأئمّة الاثنى عشر
للميرزا جواد التبريزي
]وصل إلينا العديد من الأسئلة من قِبل الأعزّة المؤمنين أيّدهم الله تعالى يسألون فيها عن النصّ على إمامة الأئمة المعصومين عليهم السلام، وحيث أنّ بحث الموضوع واستقصاء أدلّته غير متيسر لنا في الوقت الحاضر فقد قمنا بتبيين بعض الأفكار والإشارة إلى قسم من الروايات الصحيحة الواردة فيه، ثمّ أو كلنا الأمر إلى بعض تلامذتنا الأفاضل، فقام ـ مشكوراً ـ بكتابة هذه الرسالة وقد طالعتها فرأيتها ـ على اختصارها ـ وافية بالمطلوب.
أسال الله له وللمؤمنين أن يصونهم عن مضلاّت الفتن وأن يثبّتهم على الصراط المستقيم، إنّه الهادي والموفّق.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين
تُثار بين فترة وأُخرى أسئلة تتعرّض للمسلّمات العقائدية الموجودة لدى المسلمين وبالذات لدى الطائفة المحقة أتباع أهل البيت عليهم السلام، وتختلف دوافع تلك الأسئلة، فإن البعض بدافع التعرف والبحث عن الدليل يسأل عن تلك المواضيع، ويحتاج إلى إجابة شافية وافية سوف نضعها ـ بإذن الله بين يديه ـ. وربما كان هدف آخرين من طرح هذه الأسئلة هو التشكيك في تلك المسلّمات وإلقاء الشبهة في قلوب العوام من أتباع هذا المذهب..
ومن علامة هؤلاء أنهم لا يطرحون إشكالاتهم ومناقشاتهم على علماء الدين المتخصصين في العقائد والقادرين على إثباتها بالدليل القاطع، وإنما يقومون بنشر تلك الشبهات، والتشكيكات ما بين عامة الناس من الذين لم يطّلعوا ـ بشكل دقيق ـ على حدود تلك المسائل ولم يفحصوا في أدلتها، ولذا يجدون فيهم سوقاً رائجة وعملة نافقة.
وتختلف طرق هؤلاء وشبهاتهم، وذلك أن هدفهم هو إلقاء الشبهة، وتشكيك أبناء الطائفة في عقيدتهم، فلا يهم عندهم ما هو نوع السؤال، ولا ينتظرون الإجابة عليه، بل لو أُجيبوا بجواب مقنع بالنسبة لهم، فإنهم يتركونه للبحث عن سؤال آخر وشبهة أُخرى، فالمهم عندهم هو التشكيك والسؤال المؤدي إلى الشبهة، فهم في يوم يشككون في بعض الوقائع التاريخية المتصلة بقضية الإمامة، وفي آخر يشككون في حياة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، أو أنه ما فائدة هذه الغيبة؟ وثالثة يشككون في النص على الأئمة المعصومين عليه السلام بأن يقولوا إنه لا يوجد نص على الأئمة أو على الأئمة بعد الحسين عليه السلام.
وهؤلاء نحن لا نتحدث معهم في هذه الرسالة، ولا نوجه لهم هذه الكلمات، بل لا نرجو هدايتهم بعد أن اختاروا لأنفسهم هذا الطريق، طريق التشكيك (لَم يَكُن اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُم وَلاَلِيَهديهُم طَريقاً)(1)، وإنما يتوجه حديثنا إلى أهل الإنصاف (الَّذينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أحسَنَهُ)(2)، وإلى العامة من أبناء المذهب الحق الذين يترقبون الدليل الواضح للرد به على مزاعم المشككين وشبهات المنحرفين.. لمثل هؤلاء الذين ربما وردت أسئلة من قبل بعضهم وطلبوا الإجابة عليها فيما يرتبط بهذا الموضوع أي النص على إمامة
____________
(1) النساء / 168.
(2) الزمر / 18.
الأئمة المعصومين عليه السلام، نكتب هذه الرسالة المختصرة، علماً بأنه لا يسعنا استقصاء الأدلة، ولابد لذلك من الرجوع إلى الكتب المدونة في هذا المضمار خصوصاً كتب الحديث والمجاميع الروائية.
منهج الرسالة:
وسيكون منهجنا في هذه الرسالة أن نتعرض إلى ذكر بعض الروايات الصحيحة والصريحة التي تعين أسماء الأئمة عليهم السلام، مما يقطع الطريق على من يدعي عدم وجود النص عليهم أو على بعضهم، وسيثبت هذا أن المدعي لعدم وجود النص ـ لو سلمت نيته ـ فإنه ضعيف الإطلاع جداً على أخبار أهل البيت وغير بصير بأحاديثهم عليهم السلام. وسنلتزم أن يكون النص الذي نورده صحيحاً من غير شبهة أو مناقشة، وإلا فالنصوص الأُخرى كثيرة جداً. وهذه النصوص تنقسم كما سيأتي إلى ما هو نص على العنوان مثل أبناء الحسين، وما هو نص على قسم منهم مثل النصوص الواردة الناصة عليهم إلى الإمام الباقر عليه السلام، وأهمية هذه أن المشككين يدعون أنه لا نص بعد الحسين، والقسم الثالث ما هو نص عليهم جملة واحدة.
ثم سنتعرض إلى ذكر النصوص الواردة بشأن إمامة كل إمام بخصوصه، ونحن وإن كنا لا نحتاج إلى ذكرها، بل كان يكفينا ويكفي من يريد الدليلَ رواية صحيحة واحدة تذكرهم جملةً من غير حاجة إلى ذكر سائر الروايات سواء كانت بالعنوان أو لكل شخص،
إلا أننا نورد هذه للتأكيد، وأن النص عليهم كان حاصلاً بطرق مختلفة، وهو كاف (إنَّ فِي ذِلك لَذكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أو ألقَى السمَّعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(1). هذا كله مع ما سنذكره في الخاتمة من أن الظروف التي أحاطت بأئمة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم الكرام في أدوار التاريخ كانت من الصعوبة بحيث كان نقل الحديث الذي ينص على إمامة المعصومين خصوصاً الذين كانوا في فترات متأخرة، كان أمراً في غاية الخطورة.
النصوص التي
تعيّن أسماء الأئمة المعصومين عليهم السلام
يوجد في مصادرنا الحديثية العديد من الروايات التي تنص على تحديد أسماء الأئمة المعصومين عليهم السلام، ولكن حيث أن بناءنا هو على الاختصار في هذه الرسالة، لذلك سنكتفي بذكر رواية صحيحة صريحة في كل باب (أو روايتين)، وفيها لمن أراد الدليل كفاية وغنى. وهذه الروايات تنقسم بحسب المدلول إلى أقسام:
القسم الأول
ما ورد من الروايات في تحديد أن الأئمة عليهم السلام
هم من (ولد الحسين عليه السلام)
وهذه الروايات ـ بهذا العنوان ـ تجيب على عدة أسئلة، فهي من جهة تجيب على نقطة هي مركز التسكيك عند المشككين المدعين عدم وجود نص على الأئمة بعد الإمام الحسين عليه السلام، بينما هذه الروايات تعتبر نصاً على العنوان أي أولاد الحسين، وأيضاً فهي تحدد نسب
الأئمة بعده وتحصرهم في هذه الذرية الطاهرة، فتنفي هذا المنصب عمن ليس من هذا البيت، فكل من ادعى الإمامة من غيرهم فادعاؤه باطل، ولو كان هاشمياً قرشياً، بل حتى لو كان من أولاد أمير المؤمنين من غير نسل الحسين عليه السلام. وأيضاً فهذه الروايات تدل بالدلالة الالتزامية على أنهم من قريش بل هي مفسَّرة لذلك العنوان، ولهذا فما ورد من غير طرق الشيعة كثيراً من أن الأئمة من قريش يكون مفسّراً بهذه الروايات حيث أن من كان من أبناء الحسين فهو بالضرورة قرشيّ.
فمن تلك الروايات:
(صحيحة) ما رواه الشيخ الكليني رحمه الله عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن إسحاق بن غالب عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام من كلام يذكر فيه الأئمة... إلى أن قال «فلم يزل الله يختارهم لخلقه من وُلد الحسين من عقب كل إمام، كلما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً وعلماً هادياً...» (1).
ومنها (صحيحة) ما رواه الشيخ الصدوق رحمه الله عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب والهيثم ابن مسروق النهدي، عن الحسن بن محبوب السراد عن علي بن
____________
(1) الكافي 1 / 203.
رئاب عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول: «إن أقرب الناس إلى الله عز وجل وأعلمهم به وأرأفهم بالناس محمد صلى الله عليه وآله، والأئمة فادخلوا أين دخلوا وفارقوا من فارقوا، عنى بذلك حسيناً وولده فإن الحق فيهم وهم الأوصياء ومنهم الأئمة، فأينما رأيتموهم فاتبعوهم وإن أصبحتم يوماً لا ترون منهم أحداً منهم فاستغيثوا بالله عز وجل وانظروا السنة التي كنتم عليها واتبعوها وأحبّوا من كنتم تحبون وأبغضوا من كنتم تبغضون فما أسرع ما يأتيكم الفرج!» (1).
ويؤيدها مارواه في كمال الدين، عن أبيه عن سعد بن عبدالله عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن عبدالله بن مسكان عن أبان عن سلم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي قال: «دخلت على النبي صلّى الله عليه وآله، فإذا الحسين بن علي على فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ويقول: أنت سيد ابن سيد، أنت إمام ابن إمام أبو أئمة أنت حجة الله ابن حجته وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» (2).
القسم الثاني
الروايات التي تنصّ على أسماء الأئمة عليهم السلام
بدءاً من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حتى الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
وهي متعددة نكتفي منها بروايتين:
____________
(1) كمال الدين / 328.
(2) كمال الدين: 1 / 262.
الصحيحة الأولى رواها الشيخ الكليني رحمه الله عن علي ابن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس، وعلي بن محمد بن سهل بن زياد أبي سعيد عن محمد بن عيسى عن يونس، عن ابن مسكان عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قوله الله عز وجل (وأطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمر منِكُم)(1)، فقال: «نزلت في علي بن ابي طالب والحسن والحسين عليهم السلام، فقلت: إن الناس يقولون فما باله لم يسمِّ عليّاً وأهل بيته في كتاب الله عز وجل؟ فقال: قولوا لهم: إن رسول الله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول الله هو الذي فسر ذلك ونزلت الزكاة ولم يسمّ لهم من كل أربعين درهماً درهم، حتى كان رسول الله هو الذي فسّرلهم ذلك، ونزل الحج فلم يقل لهم طوفوا أسبوعاً حتى كان رسول الله هو الذي فسّر لهم ذلك ونزلت (أطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُول وَأُوِلي الأَمر مِنكُم)(2) ونزلت في علي والحسن والحسين فقال رسول الله في علي (من كنت مولاه فعلي مولاه)، فقال صلى الله عليه وآله أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فإني سألت الله أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما علي الحوض فأعطاني ذلك، وقال لا تعلموهم فهم أعلم منكم، وقال إنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم باب ضلالة.
فلو سكت رسول الله فلم يبين من أهل بيته لادعاها آل فلان وآل
____________
(1) الكافي 1 / 286.
(2) السناء / 59.
فلان، لكن الله أنزل في كتابه تصديقاً لنبيه (إنَّمَا يُريدُ الله لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيت وَيُطَهِّركُم تَطهِيراً) (1) فكان علي والحسن والحسين وفاطمة فأدخلهم رسول الله تحت الكساء في بيت أم سلمة ثم قال: اللهم إن كل نبي أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهلي وثقلي. فقالت أم سملة: ألست من أهلك؟ قال: إنك إلى خير، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي، فلما قبض رسول الله كان علي أولى الناس بالناس، لكثرة ما بلغ فيه رسول الله وإقامته للناس وأخذه بيده، فلما مضى علي لم يكن يستطيع علي ـ ولم يكن ليفعل ـ أن يدخل محمد بن علي ولا العباس بن علي ولا واحداً من ولده.. إذن لقال الحسن والحسين إن الله تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك، وبلغ فينا رسول الله كما بلغ فيك، وأذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك، فلما مضى علي، كان الحسن أولى بها لكبره فلما توفي لم يستطع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك، والله عز وجل يقول: (وَأُولُوا الأَرحَام بَعضُهُم أولَى بِبَعض فِي كِتَاب الله)(2) فيجعلها في ولده.. إذن لقال الحسين أمر الله بطاعتي كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك، وبلغ في رسول الله كما بلغ فيك وفي أبيك وأذهب الله عني الرجس كما أذهب عنك وعن أبيك، فلما صارت إلى الحسين لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدعي عليه كما كان هو يدعي على أخيه وعلى أبيه، لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه، ولم يكونا ليفعلاه، ثم صارت حين
____________
(1) الاحزاب / 33.
(2) الأنفال / 75، والأحزاب / 6.
أفضت إلى الحسين فجرى تأويل هذه الآية (وَأُولُوا الأَرحَام بَعضُهُم أولَى بِبَعض فِي كِتَاب الله) ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي، ثم قال: الرجس هو الشك، والله لا نشك في ربنا أبداً» (1).
وينبغي التوجه إلى نقطتين هامتين توضحهما هذه الرواية: