سؤال: وبالنسبة لفقرة «حسين سبط من الأسباط» ما دلالتها على إثبات شرعية الموقف؟
الجواب:
في هذه الفقرة من الحديث يصف النبي (ص) فيها الإمام الحسين (ع) بأنه "سبط من الأسباط"، والمقصود من هذا الوصف كما يقول ابن الأثير: "أي أمة من الأمم في الخير وسببه". (النهاية في غريب الحديث والأثر ج؟؟ ص؟؟)
وهذا يعني أن سيد الشهداء (ع) يمثل بذاته أمة، كما في جاء في حق النبي إبراهيم (ع) حينما قال تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (النحل/120)، ومن يكون أمة فإنه الذي يكون الإمام في الخير، وإمام الخير يُتَّبع في مواقفه، وعلى الآخرين الأخذ بقوله وفعله، وهو يثبت أحقيّته.
قال ابن كثير في تفسير الآية المباركة:
"فأما الأمة فهو الإمام الذي يُقتدى به، ..... ، قال ابن عمر: الأمة الذي يعلّم الناس دينهم ......، قال (أي ابن مسعود): الأمة الذي يعلم الناس الخير". (تفسير القرآن العظيم ج2 ص1658 ط دار ابن حزم - بيروت، الطبعة الأولى 1423هـ)
سؤال: بعض الروايات في مصادر أهل السنة تحاول أن تقرب المسافة بين الإمام الحسين (ع) وبين يزيد وتظهر وجود نوع من التواصل الاجتماعي بل وقبول سيد الشهداء (ع) بيزيد قائدا للجيش الذي غزا القسطنطينية، فما تعليقكم؟
الجواب:
من يفعل ذلك كمن يريد أن يقرب بين الحق والباطل والإيمان والكفر، وأبى الله عز وجل أن يجمعهما معا، فالمسافة التي بينهما تتجاوز المسافة بين السماء والأرض، وأما هذه الروايات فليست علينا بحجة ولو كانت صحيحة الإسناد في كتب أهل السنة ووفقا لتأييد علمائهم، لأنها لم ترد من طرقنا ولم يوثق علماؤنا رجالها، فما بالك إذا كانت ضعيفة الإسناد!!
وقد حاول الكثير ممن يحملون الروح الأموية أو من المتأثرين بها إثبات فضيلة ليزيد لعنه الله في ذلك، فقد قال الذهبي: "وله على هنّاته حسنة، وهي غزو القسطنطينية، وكان أمير ذلك الجيش، وفيهم مثل أبي أيوب الأنصاري". (سير أعلام النبلاء ج3 ص4230 ترجمة رقم6751 بترتيب: حسّان عبد المنان ط بيت الأفكار الدولية)
وللأسف قامت "مبرة الآل والأصحاب" كعادتها في إخراج الكتب واللوحات التي تريد افتعال علاقة حسنة بين الآل والأصحاب ولو كان عن طريق تزوير الحقيقة وتحريفها بإخراج لوحة عن الإمام الحسين (ع) ذكرت فيها أن الإمام الحسين (ع) وأبو أيوب الأنصاري وثلة من الصحابة شاركوا في غزو القسطنطينية سنة 49هـ ضمن الجيش الذي كان يقوده يزيد بن معاوية، وذكرت المبرة لما تدعيه ثلاثة مصادر، وهي البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص151، وتاريخ الطبري ج6 ص148، وبغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم ج3 ص8.
وحتى أبين لكم كذب هذا الادعاء يجب التوقف في أسلوب التعامل مع الروايات التاريخية وخاصة المرتبطة بالصحابة.
اليوم هناك طريقتان في التعامل مع الروايات التاريخية:
الأسلوب الأول: العمل بأسلوب القرائن والشواهد، فلا تسقط الرواية لمجرد ضعفها السندي سواء بالإرسال أو وجود الرواة الضعفاء أو المجهولين، بل نحاول أن نخرج بالنتائج من خلال المقارنات وضم الروايات وملاحظة الأجواء الحاكمة على الحدث وهل خرج الحديث متوافقا مع الأجواء أم مخالفا لها وغير ذلك من قرائن ومن جملتها النظر في حال الرواة، فرواية يوجد فيها المعروف بالوضع تختلف حالا عن رواية فيها الثقات وفيها من بينهم من لم يوثق أو من اختلف فيه، مع ملاحظة أمر وهو أن الكاذب قد يصدق أحيانا فلا تسقط روايته من الأصل بل تأخذ حيزا من احتمال الصدق وخاصة إذا كانت الرواية تتضمن اعترافا يتعارض مع آراء وعقائد المعروف بالوضع.
الأسلوب الثاني: وهو أسلوب التدقيق في الأسانيد والتعامل مع الروايات التاريخية كالأحاديث التي تنسب إلى النبي (ص)، فيكفي أن يكون الراوي مجهولا أو مختلفا فيه لكي يسقطوا روايته.
وهذا هو الأسلوب الذي يريد بعض المتشددين إسقاط التاريخ من خلاله، وبالأحرى إسقاط فضائح السابقين، وهم طبعا يكيلون فيه بمكيالين، فعندما يكون الأمر لصالحهم فلا يتشددون في الأسانيد، وعندما يكون ضدهم يتشددون في ذلك.
ونحن نقول أن كلا الطريقتين والأسلوبين يثبتان كذب هذه الدعوى، فأما الأسلوب الأول فإن حال يزيد بن معاوية واهتمامه باللعب تثبتان بعده عن الاهتمام بالغزوات والحروب، مضافا إلى أن الصحابة لن يقبلوا بإمارة مثله عليهم،
ومن هنا قال العيني:
" وقال صاحب المرآة: والأصح أن يزيد بن معاوية غزا القسطنطينية سنة اثنتين وخمسين، وقيل: سيّر معاوية جيشا كثيفا مع سفيان بن عوف إلى القسطنطينية فأوغلوا في بلاد الروم وكان في ذلك الجيش ابن عباس وابن عمر وأبو أيوب الأنصاري، وتوفي أبو أيوب في مدة الحصار.
قلت: الأظهر أن هؤلاء السادات من الصحابة كانوا مع سفيان هذا ولم يكونوا مع يزيد بن معاوية لأنه لم يكن أهلا أن يكون هؤلاء السادات في خدمته". (عمدة القاري ج14 ص198)
أما الأسلوب الثاني فإن اتباعه يسقط الدعوى أيضا، فإن المصادر التي أوردتها "مبرة الآل والأصحاب" ليس فيها ذكر مشاركة سيد الشهداء في تلك الغزوة سوى ما ذكره ابن العديم وابن كثير من بعده، فالطبري قال ضمن أحداث سنة 49هـ:
"وفيها كانت غزوة يزيد بن معاوية الروم حتى بلغ قسطنطينية، ومعه ابن عباس وابن عمرو وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري". (تاريخ الطبري ج3 ص206)
وليس في كلامه أي ذكر للإمام الحسين (ع).
أما ابن كثير المتوفى سنة 774هـ فقد قال في أحداث سنة 49هـ:
"فيها غزا يزيد بن معاوية بلاد الروم حتى بلغ قسطنطينية ومعه جماعة من سادات الصحابة منهم: ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري". (البداية والنهاية ج8 ص20 ضبطه: حلمي بن إسماعيل الرشيدي، ومع تعليقات مختصرة للألباني ج4 ط جنة الأفكار)
وهو كسابقه ليس فيه أي ذكر للإمام الحسين (ع)، نعم ذكره في موضع آخر سنأتي عليه.
أما كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي المشهور بـ "ابن العديم" والمتوفى سنة 660هـ فقد قال في بداية ترجمة الإمام الحسين من تاريخه:
"وغزا القسطنطينية في الجيش الذي يزيد بن معاوية أميره، فقد اجتاز بحلب في طريقه من دمشق إليه". (ترجمة الإمام الحسين من كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب ص21، منشورات دليل ما، قم ، الطبعة الأولى 1423هـ وهو بتصحيح السيد عبد العزيز الطباطبائي وتحقيق: محمد الطباطبائي، ووفقا لنسخة خطية مأخوذة من نسخة مكتبة السلطان أحمد الثالث في طوب قباسراي في اسطنبول ومقابلة مع النسخة التي حققها الأستاذ سهيل زكّار)
وهذا النقل كما تلاحظون ضعيف بالإرسال إذ بين ابن العديم والحادثة ما يزيد عن 600 سنة.
وقال أيضا في موضع آخر:
"أنبأنا أبو نصر محمد بن هبة الله قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي، قال: الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو عبد الله سبط رسول الله (ص) وريحانته من الدنيا........، ووفد على معاوية وتوجه غازيا في الجيش الذي كان أميره يزيد بن معاوية". (المصدر السابق ص44 ح34)
وهذا النقل ضعيف أيضا بالإرسال إذ بين أبي القاسم علي بن الحسن الشافعي والمعروف بـ "ابن عساكر" والحادثة ما يزيد عن 500 سنة، إذ توفي ابن عساكر عام573هـ.
ويلاحظ أن الأصل في كل ما ورد حول مشاركة سيد الشهداء (ع) في الجيش الذي غزا القسطنطينية هو ما ذكره ابن عساكر في تاريخه وانفرد بنقله (تاريخ دمشق ج14 ص111)، فكل من كان أقرب إلى الحادثة كالطبري وغيره لم يذكروا شيئا عن ذلك.
أما ابن كثير المتوفى سنة 774هـ فقد ذكر في تاريخه نفس كلام ابن عساكر ويبدو أنه مأخوذ عنه، وعلى أي حال فلا قيمة لكلام ابن كثير لأنه مرسل. (البداية والنهاية ج8 ص133 بضبط: حلمي الرشيدي، وج8 ص161 ط دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ)
المهم نحن نطالب بنص صحيح -على طريقة المتشددين في الأسانيد!!- يثبت قتال الإمام الحسين (ع) تحت راية يزيد في جيش القسطنطينية.
للموضوع بقية تأتي لاحقا ان شاء الله تعالى