الشاعر رجميل حيد
لقد كان التردد يعتريني كلما فكرت بالكتابة عن هذه الشخصية الادبية المتميزة التي تحتوي على مساحات وابعاد واسعه من الاخلاق والشعر وفنون الادب والمعرفة والتي قد لايتمكن امثالي من حفظها ولو بقدر يسير لكنني وفي هذا الايجاز الذي لابد منه قد ابلغ قطرة من وفاء وولاء وشيئاً من الفخر والاعتزاز للمدينة الشاعرة بعد ان اتشرف بتسطير ماأتمكن من تسطيرة عن الشيخ الجليل الراحل لقد كان رحمة الله شعلة متوهجة ومتقدة من النشاط الادبي والاجتماعي المستمر من جراء القوة الروحية المتينة التي حباة الله بها بالرغم من الوهن والضعف الدائم في البدن والبنية فتراه والمريدون من حوله يتكاثرون بسحر مايدخله في نفوسهم لينجذبو نحوه ويتقربوا الية وهو يجمعهم تحت خيمتة الادبية الثقافية العلمية واستاذيتة في اللغة وعلومها المشبعة بحب الله والوطن حيث تخرجة منها شعراء وادباء كثيرون وادباء كثيرون يحملون ماحملهم من نفثات ادبية وأخلاقيه . كان رحمه الله كريما في طبيعتة وسلوكه الى حد كبير جدا يتميز بالبساطة والشفافية والسلاسة والاحاسيس الرقيقة والعواطف السامية مما جعلة محببا لدى الجميع واصبح بذلك محط الانظار حيث سكن كل القلوب وجذب كل النفوس فتراه صديق الكل والكل يهرع اليه ويتامر بصواب رأيه ورجاحة تدبيره وبهدوء وروية وهو بذلك مسموع الكلمة مبسوط السلطان بالعقل والحكمة.قيل له يوما من هو جميل حيدر فقال (مواطن عراقي اسلامي المعتقد عربي الشعور سقشخي المنشا نجفي البناء أنساني أن شاء الله).
ولد المرحوم الشاعر جميل صادق باقر حيدر في سوق الشيوخ عام 1933 في بيت ال حيدر ذلك البيت العريق بالامجاد دينا ودنيا تلك الاسرة التي تتربع على عرش الشموخ والاحترام والعلم والفضيلة جراء ما جاء به رجالها من مكاسب في الجهاد والعمل في سبيل الله والناس والوطن . تعلم القراءة والكتابة في سنيه الاولى في مدرسة السوق الابتدائية وعند بلوغه الثانية عشر أي في علم 1945 حملته الريح العلمية للآسرة الى النجف الاشرف كبقية ابنائها وكانت مدرسته الاولى المدرسه المهدبة برعاية الشيخ العلامة محمد رضا العامري رحمه الله ولقد قضى بعدها سنوات عديدة تلقى خلالها علوم النحو والمنطق والاصول والفقه والبلاغه والمعاني والبديع على شيوخ افاضل أنذاك ولقد زامل الكثير ممن شاركوه التلقي واستمرت علاقته بهم مع الايام والسنين اصدقاء واخوة حياة وانسجام منهم الدتور الشيخ صالح الظالمي وضياء الخاقاني ومحمد الخاقاني ومحمد الهجري محمد حسين بحر العلوم ومحمد حسين المحتصر ومصطفى جمال الدين استمرت فعالياته الحياتية في النجف الاشرف كما هي في سوق الشيوخ وخاصة الادبية والعلمية والتي كانتيعيشها ويتحرك داخلها مثل مجالس سلمان الخاقاني وعلي الصغير والقرشي والبو شيخ راضي وبحر العلوم والصافي واسد حيدر والقاموسي وال كاشف الغطاء وغيرها .وكذلك الجمعيات الادبية النظامية مثل جمعية الرابطة الادبية ومنتدى النشر والتحرير الثقافي والتي اسماها رحمه الله (اندية حوار ومنابر خطابة واسواقمواسم ثقافية) وفي غمرة ذلك الجو المشحون بالشباب والتطلع قام مع اصدقائه وزملاءه السيد مصطفى جمال الدين وصالح الظالمي وضياء الخاقاني ومحمد الهجري بتأسيس ( اسرة الادب اليقض) عام 1951 وكان هو صاحب تلك التسمية والذي قال عن اهدافها (اتساع افق الرؤية والمقارنة والمزاوجة بين القديم والحديث مع الزامية النقل الوعي السليم) وقد اتسعت دائرة هذه الاسره بفتح فرع لها في سوق الشيوخ انضم اليه الشعراء شاكر حيدر وحسون البحراني ويعقوب الحمداني وناظم جواد حيث قامن هذه الحركة بعدة فعاليات بين النجف وسوق الشيوخ باقامت المهرجانات الشعرية والنثريات والحوارات حتى عام 1962 حيث اندمجت مع جمعية الرابطة الادبية وكانت رافدا من روافدها المهمه واصبح الشيخ جميل حيدر احد اركانها الفاعلين وامين مكتبتها وما ضمته من نفائس . في عام 1959 ومن اجل ان تستقر الحياة معيشيا انضم الى سلك التعليم بعد أن اكمل دورة رجال الدينالتربوية وعين معلماً في مدرسة الرفعةالابتدائية في احدى قرى سوق الشيوخ وبعدها مدرسة السوق الابتدائية فكان نورا مشعا خدم الحرف العربي حتى تقاعده عام 1989 ولكنه في كل الفترات لم ينقطع يوما من هاجسه الادبي الثقافي فهو في حركة دائبه مارس نشاطة بين انشداده الى الرابطة الادبيه في النجف او اتصاله ومشاركته في المجالس الثقافية البغدادية او عضويته في الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق او علاقته مع كبار المثقفين العراقيين امثال علي جواد الطاهر ومحمد بهجت الاثري وحسين علي المحفوظ وغيرهم من العمالقة كما ان مساهماته ومشاركاته الادبية والشعرية خاصة تمتد من الخمسينيات وبداية الستينيات ومرورا بالمهرجانات الشعرية لاتحاد الادباء العرب عام 1969 وجميع مهرجانات المربد وذكرى الصافي النجفي ومهرجانات ابداعنا والندوات الفكرية حتى مهرجان الحبوبي عام 1998في النجف اما في سوق الشيوخ فلقد جعل من نقابة المعلمين ومن خلال عمله الثقافي فيها بؤرة ثقافية ادبية استقطبت الادباء والمثقفين حيث الملتقيات والاماسي والمعارض الفنية من اجل تحريك الوعي الثقافي والتواصل مع العالم وتشجيع الابداع كما ان الاكثر تاثيرا مجله الادبي الدائم ديوان ال حيدر والذي كان الخلية الثقافية العلمية التي لم ينقطع عنها النشاط الادبي والثقافي والاجتماعي وادارته لها على الدوام فاتحاً صدره وعلمه للجميع مما جعله القاعدة الرصينة في دعم ذوي الموهب وبفضل ذلك الارساء النبيل والجهد الثابت استمر مجلس ال حيدر الى اليوم برعاية نجله النجيب الأستاذ وميض جميل حيدر حيث المكتبة العامرة التي يقصدها العديد من طالبي الفائدة
كرم الشيخ المرحوم من قبل وزارة الاعلام والاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق وحاز على اشارة الرواد من المجتمع الثقافي ونادي الجمهورية الثقافي في قصر الثقافة والفنون ومن العديد من المجالس الادبية والثقافية عند اساتذة بغداد وعلمائها واخر تكريم شهادة تقديرية لعلميته من جمعية البراسيكولوجي العراقية عام 1999 في سنة وفاتة . اما الادباء والكتاب الذين كتبوا عنه من العرب والعراقيين فهم كثيرون ابتداء من الاديب اللبناني مارون عبود في كتابه الطاهر الميمون وانتهاء بالاديب حميد المطبعي في مجموعة اعلام العراق والصحفي الكاتب مؤيد عبد القادر في كتابه هولاء في مرايا هولاء .
لقد ترك الشيخ المرحوم مؤلفات عديدة ومتنوعة من البحوث الادبية والتاريخية والعقائدية منها كتاب عن ادب وادباء سوق الشيوخ ومختصر تاريخ سوق الشيوخ وموجز تاريخ ال حيدر ورؤيا في تاريخنا الاسلامي وبحث عن حركة الشعر الشعبي في سوق الشيوخ ومجموعة قصصية بعنوان الرحلة قد تغيرت مسرحية عن نضال الشعب الجزائري وكتاب في جزئين اسئله واجوبة عقائدية وادبيه ومذكراته اليومية الخاصه باجزاء متعددة وبشكل لطيف واخاذ اما في مجال الشعر فلقد قيل عنه (انه الديمة التي تمطر شعرا ) لانه ينبوع غزير لم يبخل بالشعر ولم يجف حتى اخر لحظة في حياته فهناك ديوانه نبع وظل الجزء الاول المطبوع عام 1980 والجزء الثاني المخظوط الذي سمي ضفاف اعماق وهناك الارجوزة التي اسماها (السقشخية )التي تربو على الفي بيت صور فيها مسار الحركة الادبية والفنية في سوق الشيوخ وكذلك الارجوزة النجفية والتي تربو على الالف بيتا دون فيها مسار حركة رابطة الادبية في النجف وهناك القصيدة التقاعدية التي بلغت اربع مائة وعشرين بيتا وهناك قصيدة السيرة الذاتية وهي من الشعر المدور وكذلك قصيدة طريقي وقصيدة ثرثرة مؤمن وقصيدة قداس الروح وجميعها من المطولات اما نتاجه في المناسبات المتنوعة فكثير وكثير جدا حيث ان الشعر كان يجري على لسانه بسهولة ويسر وسرعة وجميعة من الهمس الوجداني الصادق والعاطفة الرقيقة والاحاسيس الشفافة بالرؤية الواضحة السليمة والشكل الجميل ولقد عبر رحمه الله عن رايه في الشعر الشعبي حين قال (هو التعبير الاحضى والاشف عما يختلج داخل نفس الشاعر فان وافق صدق الاداء ودافع الحس كان التعبير الاجمل والا كان النظم الميسر) لذا فعندما نريد ان نتمتع بقراءة في ديوانه نبع وظل لابد وان نواجه في البدء هذه الابيات بعنوان صلاة مؤرخة عام 1957 .
افيضي بما اترتعت من اروع جمال انتمائك للمبدع
وخل الحقيقة تسقس الـــــرؤى وضاءة ايمانك المشرع
وصلي اليه صلاة العبيــر بصومعة البرعم الانصع
فلست باكثر من نبتـــــــة تسبح في روعـــة المنبع
ونقرأ إحساسه العالي وهمه الكبير في الوطن والعروبة والصراع الدائم الدامي في فلسطين الجريحة وبعنوان غادة الله مؤرخة عام 1978 .
بأي مهند ذرب تشـــــــــــد وأي المارقين به تقـد
فلسطين الخريطة من يعيها ويستمري الأسى فيها ويشدو
تهود وجهنا العربي فيهـــا وكاد العظم ياستهويه جلـد
تجاذب لون سحنتها يعفي حدود الجرح للبتـــرول حد
فكيف يسهل المسعى اليهـا وبين القدس والزوراء نجد
وندري ان ثأر الله فينـــــا ولا ندري الاثارة اين تغدو
ولكن حسبنا منها مخــاض بتته مدن الولادة تستجـــد
وفي قصيدة اخرى وبعنوان مناجاة نقرأ العذوبة وسحر الاحساس حيث ارخها عام 1974 .
انا مازلت رغم بعدك عني اتشهى جناك في كل غصن
اتملاك حين تصحو فيجري في عروقي دم الربيع الأغن
فكأني اشتهاءة العبق المهموس ضجت في برعم متثني
وكاني ارتعاشة النغم المشبوب لابت على لهاة المغني
حسبي الاهة التي اودع الله لديها مسيل عطر ولحـــن
ودعاها بان ترق فكان العطر حسي وشهقة النور لوني
وكما اخبرنا ففي الصباح الباكر من يوم 16\3\1999 كان الذي كان وبشكل مفاجئ اسلم الروح الى بارئها وهو يحتضن القران عنده صدره وبتلك الخسارة الفادحة وبذلك الفقدان الفاجع كان المهرجان المأساوي من الحسرات والدموع ودعت سوق الشيوخ المدينة الشاعرة شاعرها ومفخرتها لكنها احتفظت له بما اودع في ذاكرتها من (أن الاخلاق سجايا جبلت النفوس الاولى فما صادف منها فرصة صحو تربوي همت بالطيب واشرقت بالحب وتمثلت بالخير وما اعتورها اثر تغير بفعل خارجي نشطت في غير ذلك واتسمت بفعل انحرافها رغم كل مراصد التبصر ومؤثرات التهذيب )رحم الله الشيخ الشاعر العلامة جميل حيدر.