سحب البساط
وتقول مصادر مطّلعة، إن المشروع السعودي الحاكم للخلاص من نفوذ ووجود كبار رجال الدين، وتخليص المجتمع من نفوذهم ودورهم الارشادي، يتزامن مع مشروع مماثل لإنهاء آيات الله أو الملالي في إيران. ومعلوم أن مكّة والمدينة ومعهما ميناء جدّة الذي يطلّ على البحر الأحمر، يشكّلون قطاع الحجاز الأكثر أهميّة في تاريخ الإسلام والمسلمين، وليس السعوديون وحدهم والمدينتان الأولى والثانية هم بمثابة قلب الإسلام وقبلة المسلمين، وهناك دلائل أكيدة على بدء تمرّد المرأة السعودية في الحجاز، ورفضها ارتداء النقاب، مصرّة على أن ارتداء النقاب لم يكن في أي وقت من عادات وتقاليد نساء الحجاز.
لكن، وفي سلسلة من الأحداث، بدأت منذ التولّي الرسمي للعرش من قبل الملك عبد الله، فإن المرأة الحجازية لم تعد تخشى سطوة المطاوعة في الشوارع والطرق والأسواق. وفي هذا الصدد، قيل إن الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، الذي كان أول مسؤول كبير في الحكم، يلوم الوهّابيين على دورهم في هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، قد هدّد بإقالة الملك عبد الله وإبعاده من الحكم، إن هو أصرّ على مواصلة تنفيذ برنامجه بمحو المطاوعة، وإنهاء دور المؤسّسة الدينية المتطرّفة في ما يعرف بحماية السعوديين من الانجراف وراء الفساد. لكن شعبية عبد الله وحب الناس له، فإن أي تحرّك غير محسوب من نايف قد يكون بمثابة مغامرة لا يحسب عقباها.
القضاء على الشيعة
لكن، وإلى جانب مشكلة المطاوعة وبعض التطوّرات الداخلية أو الإقليمية المعزولة عن العالم، فإن نشرة الجوش كونتربيوشن لعالم متحضّر ومسالم، التي يصدرها الكاتب السعودي سعد البازاي، قالت في عدد منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي، إن العاهل السعودي قد تبنّى دعم المنظّمات والجماعات السنّيّة التي تنفّذ أعمالاً إرهابية في العراق، ضد النظام وضد الشعب العراقي وضد الوجود الأميركي على أرض العراق.
ويعتبر موضوع الابادة والخلاص من الشيعة بمثابة لبّ الحركة الوهّابية، وأهم مبادئ اعتقادهم ولم يعد سرّاً، ومنذ بداية الاحتلال العسكري الأميركي للعراق، أن أغلبية الانتحاريين والارهابيين الذين يذبحون الأجانب والعراقيين، ويفخّخون السيارات وأنفسهم تحت مظلّة تنظيم القاعدة في العراق، هم من السعوديين. والحقيقة، ووفق ثوابت لا تقبل الجدل وحقائق موثقة، فإن السنّة العراقيين يتردّدون كثيراً في قتل أنفسهم على غرار السعوديين الذين يفخّخون أجسادهم في سبيل قتل أكبر عدد ممكن من الناس، عسكريين أو مدنيين، عراقيين أو أجانب. فيما يشكّل اندفاع السعوديين الى الموت، دونما اعتبار لأهاليهم أو أطفالهم وزوجاتهم، ظاهرة لافتة للنظر، وتدعو الى الأسف واليأس والاشمئزاز. وفي أعقاب كل عملية إجرامية انتحارية يقوم بها سعودي في العراق، فإن صوراً ومعلومات عامّة، وسيرة شخصية بكل تفاصيلها، تنشر عن هذا الارهابي، أو ذاك، في اليوم التالي في الصحف السعودية.
وتبعاً لجريدة الوطن التي يعتقد أنها تابعة للحكم ويموّلها ويدعمها الملك نفسه، فإن حوالي ألفي سعودي لقوا حتفهم في العراق منذ عام ٢٠٠٣، وهو ما يشكّل ثلثي عدد قتلى الأميركان في العراق.
وفي حادث قريب وقع في الخامس من شباط (فبراير) الماضي، تسلّل هضيبان الدوسري الى العراق، عبر الحدود ليفخّخ نفسه، وفقاً لما أفادت به نشرة الساعة السعودية التي تصدرها الحركة الوهّابية السعودية ليفجّر نفسه فيما بعد في أوساط عدد من المدنيين الشيعة، الذين كانوا يمارسون شعائر عزاء مقتل الإمام الحسين في واقعة الطف. وقادت العملية الانتحارية التي نفّذها الدوسري الى قتل العشرات، وكانت تلك مجرّد واحدة فقط من عمليات إرهابية عدّة نفّذها سعوديون آخرون في أوساط تجمّعات الشيعة في شهر محرّم الحرام.
إدمان
وبينما كان ذوي الدوسري البالغ من العمر ٢٤ عاماً يتلقّون بقايا جثمانه، كانت أطراف من المؤسّسة الوهّابية تتلقّى الدعم والثناء والاعجاب والتهنئة بقيامه بتنفيذ هذه العملية الاجرامية. ومن لا يعرف حقيقة هذا الشاب غير المتزن، فإن أقران الدوسري ومقرّبين منه، يقولون إنه لم يكن أكثر من فرد في عصابة مارست كل أنواع الاجرام. وفوق ذلك، فقد كان مدمناً المخدّرات، وقد اشتهر بقيادته حفنة من الصبيان الجانحين للجريمة في أرجاء مدينة الرياض، وكان يعشق سباقات السيارات. لذلك، فإنه كان غاوياً جمع أكبر عدد من السعوديين المغرر بهم للتسابق وإياهم بسيارته. ومع أن تنظيم القاعدة لم يكن يولي أمثال الدوسري اهتماماً كبيراً من قبل، فإن الأحداث الأخيرة أجبرتهم على التعامل مع قضية الشرطي بحساسية مفرطة. لذلك كان للدوسري صحبة ملحوظة من الناشطين المغرمين بإدمان المخدّرات من كل أنواعها.
ولتضليل المزيد من الفتية ممن هم في عمر الدوسري، فإن الوهّابية تدّعي أنه بات من ملائكة المنطقة التي كان يعيش فيها قبل انتحاره الجنوني، وأنه يصلّي وراء رموز إسلامية كبيرة ومهمّة، بانتظار المزيد من أفواج المجانين الانتحاريين، وأن سبب إقدام الدوسري على قتل نفسه، هو إصراره على التواصل مع السماء من جهة، ورغبة في بناء واجهة إسلامية قادرة على تحمّل العمليات الانتحارية التي تقتل أرواح الكثيرين باسم الدين، وتضليلاً بحجّة الذهاب الى الجنّة والمبيت بين يدي الأهل الذين سبقوه الى غير النار. وهكذا بات معروفاً الآن أن الوهّابية تصطاد صغار المراهقين، وتقوم بإجراء غسيل دماغ لهم، وإيهامهم بأنهم سيحقّقون نصراً رفيعاً على الكفّار، من خلال إنزال أعلى قدر ممكن من سخرية وجبروت ومواقف كتّاب في الاعلام العربي، مهمّتهم سدّ الفراغ والاسراع بتضليل الناس واصطياد البعض منهم.
اللعب على الحبال
والأكيد أن الحكم السعودي بات يلعب الآن على كل الحبال، فإلى جانب تصدير الانتحاريين الارهابيين الى العراق، وتمويل عمليات تجنيد وتدريب وشراء السيارات التي تفخخ، والأجهزة والمعدّات والمواد الداخلية في العمليات الانتحارية، وهي تتطلّب أموالاً طائلة، فإن العاهل السعودي أوحى بعدد من المبادرات الأخيرة، كرغبة في مساعدة العراقيين على تقليل مثل هذه الأحداث التي يعيشها العراقيون يومياً، وأعاد العلاقات الديبلوماسية مع بغداد بعد قطيعة استمرت ١٧ عاماً أعقبت غزو صدّام للكويت، وأتبع ذلك بالاعلان عبر وزارة الداخلية، عن إلقاء القبض على مجموعة مؤلّفة من عشرة أشخاص، تسعة منهم سعوديون والأخير مغربي وهم يجمعون التبرّعات والأموال ويوظّفون الشبان السعوديين الراغبين بالاستشهاد، على حدّ قولهم، في العراق في محاربة المحتل الأميركي الصليبي والرافضي الشيعي الذي يحكم العراق، وهي المصطلحات التي تطلق لتبرير أعمال الارهاب والتورّط فيها والتحريض على الفتنة الطائفية. وللعلم، فإن إلقاء القبض على الشبّان العشرة لم يتم إلاّ بعد أن فاحت ريحة أنشطتهم المتطرّفة داخل المملكة، وتحريضهم على النظام نفسه واتّهامه بالعمالة وموالاة الأميركان، والتآمر مع الشيعة في العراق على السنّة. وقبل اعتقالهم كان يوم العراق يوماً دموياً مات فيه مئات الأبرياء العزّل.
وفضلاً عن ذلك، وفي السابع والعشرين من كانون الثاني (يناير) من مطلع العام الحالي، نشرت الصحافة السعودية أن سفارة الرياض في سورية، تلقّت طلباً من إدارة السجن العام في الموصل، ثالث أكبر المحافظات العراقية والقريبة من الحدود السورية، تطلب فيها إدارة السجن من السفارة العمل على تسلّم إرهابيين معتقلين في العراق، ونقلهم الى بلادهم للتحقيق معهم، ومحاكمتهم على جرائمهم في العراق. ويقال إن هدف العراقيين من تسليم المعتقلين السعوديين، بدلاً من إعدامهم أو سجنهم عقوبة لهم على جرائمهم، هو تحذير ذوي الشبان الآخرين من المصير الذي يدفع فيه البعض بهؤلاء الشبان.
أكاذيب
وتكشف الكثير من التفاصيل المتعلّقة بهذا الأمر، عدم صحّة الانكار المستمر من قبل الملك، ومن قبل بقيّة أركان الحكم في الرياض، بعدم دعم الأطراف المتمرّدة في العراق، وهي في الغالب من أتباع الرئيس العراقي السابق الناقمين على تغيّر أوضاع الحكم في بلادهم، وأيضاً من الإسلاميين الذين يعتقدون أن الله وهبهم لمحاربة الأميركان. ومع ذلك، فقد اضطر الملك ومعه أركان النظام، الى الاعلان لأول مرة في تاريخ الصراع الدموي الحالي في العراق، عن أن السعودية سوف لن تدعم السنّة ضد الشيعة في العراق، وأنها لا تريد أن تكون طرفاً في الحرب الطائفية الدائرة هناك، غير أن الحقائق تتناقض ومثل هذه التصريحات النادرة. كما دعوا الى عدم تكفير الشيعة بسبب معتقداتهم المتعلقّة بأهل بيت النبوّة، وهي سابقة أخرى يصعب التدليل على صحّتها في ظلّ طريقة وواقع تعامل الحكم اليومي مع الشيعة السعوديين أنفسهم. ومع أن وزير الخارجية سعود الفيصل حاول مراراً خلال الفترة الأخيرة تخفيف وقع التورّط السعودي الرسمي في التحريض ضد الشيعة، إلاّ أن تصريحات رسمية من الملك، ومنه شخصياً، لم ينفياها، تؤكّد حقيقة موقف الحكم المكفّر للشيعة بشكل عام.
وفي هذا الاطار، وحفاظاً على علاقات متميّزة مع واشنطن وبقيّة الحلفاء، فإن السعودية عرضت على الولايات المتحدة المساعدة بكل الطرق الممكنة في الحفاظ على أرواح الجنود الأميركيين العاملين في العراق، وهي رغبة تعكس في حقيقتها الخوف المتزايد من احتمال أن تفلت الأمور في العراق، فتنتقل بشكل أو آخر، الى السعودية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحمّل جزءاً صغيراً مما يجري في العراق، وما تعرّض له العراقيون. وأخيراً، فإن التقرير الذي تؤكّده شواهد لا تقبل الدحض، تتحدّث عمن سيتمكّن من البقاء: الحكم السعودي أو الوهّابية الضاربة الجذور في المملكة، بسبب عقيدة الحكم ومصلحته طوال الفترة السابقة قبل انقلابه على المؤسّسة الدينية!