ليس كل تعبير ورد في القرآن الحكيم بصيغة (الذين آمنوا) أو (المؤمنين) يكون المقصود به أنهم آمنوا حقاً وصدقاً، بل في كثير من الأحيان يكون المقصود به (الذين ادّعوا الإيمان)، لذا تجد الله تعالى يقول في كتابه: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ“ (النساء: 137) أي: يا أيها الذين ادّعوا الإيمان آمنوا حقا بالله ورسوله.
وفي المقام فإنه تعالى قال: ”لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْـزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا“. (الفتح: 19) فتعلّق الرضى بالمبايعة تحت الشجرة بشروطها، فمن آمن حقاً وصدق عليه اسم (المؤمن) كان مرضيا عنه، أما من كان مدّعيا للإيمان فحسب ونكث فإنه يكون مذموماً، ولذا فإنه سبحانه قال: ”إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا“ (الفتح: 11).
فعلمنا بهذا بأن هناك من يمكن أن ينكث البيعة، فينتفي عنه الرضى ويكون ذلك دلالة على عدم إيمانه الحقيقي. وقد ثبت أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا ممن نكث، لأن شرط البيعة كان هو عدم الفرار، وهو ما رواه مسلم عن عن جابر قال: ”كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمئة فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة، وقال: بايعناه على أن لا نفرّ، ولم نبايعه على الموت“. (صحيح مسلم ج6 ص25).
وروى ابن أبي شيبة عن الحكم بن عتيبة قال: ”لما فرّ الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين جعل النبي يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، فلم يبقَ معه إلا أربعة! ثلاثة من بني هاشم ورجلٌ من غيرهم: علي بن أبي طالب، والعباس، وهما بين يديه، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من جانبه الأيسر“. (مصنف ابن أبي شيبة ج7 ص417).
وبهذا عرفنا بأن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا من الفرّارين، حيث لم يثبتوا مع هؤلاء الأربعة في غزوة حنين، فخرقوا بذلك شرط البيعة ونكثوها، فكان ذلك دلالة على عدم إيمانهم الواقعي وأنهم باءوا بغضب من الله ومأواهم جهنم وبئس المصير، وذلك لأن الله سبحانه يقول: ”وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ“. (الأنفال: 17).