من دول الشيعة
الموصل
الدولة الحمدانية في الموصل وحلب
.......................................................
ينتسب الحمدانيون إلى جدهم حمدان بن حمدون التغلبي، حيث له ثمانية أبناء، هم: أبو الهيجاء عبد الله والد سيف الدولة، و أبو اسحق إبراهيم، و أبو العلاء سعيد والد أبي فراس، و أبو الوليد سليمان، و أبو السرايا نصر، و علي، و أبو علي الحسن، و أبو سليمان المزرفن.
و في قلعة منيعة ببلدة ماردين من أعمال الموصل، و في باكورة النصف الثاني من القرن، الثالث الهجري كانت السيادة لحمدان بن حمدون، فبعد أن خاض دوراً فاعلاً في ساحات الجهاد ضد الروم البيزنطيين و احرازه انتصارات باهرة، بدأ شخصه يظهر على مسرح الحياة السياسية للدولة العباسية، و كان ذلك في حدود سنة 354هـ. و مما عزز موقعه وتأثيره في مجريات الأحداث و التطورات الدور الذي لعبه في مقاتلة الخوارج و التصدي الباهر للكثير من الغارات العسكرية التي كانوا يشنونها ضد الثغور العباسية، فلا تكاد معركة حربية تجري في منطقة الموصل، الا و يكون حمدان التغلبي شريكا فيها، منتصراً تارة و منهزماً تارة أخرى.
و ظل حمدان يتحين الفرصة للزعامة، و لا يكاد يتركها تفلت منه، فيتحالف مع أعداء الأمس من الخوارج، و يدخل مدينة الموصل فاتحاً، معه حليفه الجديد هارون الشاري الخارجي و تطول فترة التحالف مع الخارجي فيخوض في صفه أكثر من معركة، و يربح له أكثر من نصر، كان أهمها جميعاً هزيمة بني شيبان حينما حالوا دون دخول الموصل، و مطاردتهم و تملك ديارهم.
غير أن حالة الموصل ظلت تقض مضجع الخليفة العباسي في بغداد، و خروج حمدان على حظيرة الخلافة تزيد الأمور خطراً، فيخرج الخليفة المعتضد بنفسه عامداً لحمدان بن حمدون في الموصل سنة 281 هـ فيستردها و يحتل قلعة ماردين مقر ابن حمدون، و ينقل ما بها من خيرات و يهدمها، و لا يزال حمدان يفر من بلد إلى بلد حتى تضيق به السبل بعد ان عجزت قلاعه عن حمايته، فلا يجد بداً من أن يذهب إلى خيام المعتضد مسلماً نفسه، فيوضع في السجن حتى ينتصر ولده الحسين على هارون الشاري فيطلق الخليفة سراح أبيه مكافأة له.
و بدأ نجم ولده الحسين يلمع كسيف من سيوف الخلافة، يخوض المعارك فلا يكاد ينهزم في واحدة إلا لينتصر في عشر بعدها. و لعل في نجاح الحسين إلحاق الهزيمة بالقرامطة و هم ألد أعداء حكم الخلافة العباسية، و كذلك محاصرته لعسكر بني تميم و ردهم عن حلب، و دحره للطولونيين، كان من أبرز إنجازاته و انتصاراته التي جعلته يحظى باعتماد الخليفة العباسي و اهتمامه الخاص به، و بالتالي تبوءه تلك المواقع القيادية الحساسة المتقدمة في سلم المسؤوليات و الصلاحيات، و كذا نيله تأييد و تعاطف طبقات واسعة من الأمة، لا سيما في البلدان و الأقاليم التي فتحها و حررها على يديه، كبلاد فارس و مصر.
لم يكن أمراً غريباً أن يركز كل أمير حمداني أفكاره و اهتماماته في الموصل واحكام قبضته عليها دون غيرها من الأقاليم. فلقد عرضت عليهم ولايات كثيرة ذات خصوصيات و امتيازات معينة، مثل نهاوند و قم و كاشان و أرمينية و أذربيجان و خراسان و مصر، فلم يرضوا بديار ربيعة و الموصل بديلاً. و الواقع إنهم إختاروا الموصل لأكثر من سبب، فهي جماع عصبتهم و هي غنية بخيراتها حتى أن ميرة بغداد كانت منها. هذا فضلاً عن ان المنطقة كلها من العرب المتعصبين للحمدانيين من أمثال ديار ربيعة و ديار بكر و ديار مضر.
على أن أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان هو الأمير الوحيد من بين أخوته الذي استقامت له ولاية الموصل أطول مدة من الزمن، و رغم أنه عزل عنها ثلاث مرات، و لكنه عاد إلى امرتها من جديد و قتل فيها سنة 317هـ لكي يكمل بناء الملك فيها من بعد إبنه الآخر علي الذي لقب بـ(سيف الدولة)(1) ملكاً مجاوراً في حلب.
و كان قد تمكن أن يقنع الخليفة المكتفي بأن يوليه إمرة الموصل و أعمالها لأول مرة سنة 293 هـ، و هو التاريخ الذي يذهب كثير من المؤرخين إلى أنه البداية الحقيقية لدولة بني حمدان