الطين
ايليا ابوماضي
.....................................
نسي الطين ساعة أنه طين
حقير فصال تيها و عربد
و كسى الخزّ جسمه فتباهى ،
و حوى المال كيسه فتمرّد
يا أخي لا تمل بوجهك عنّي ،
ما أنا فحمة و لا أنت فرقد
أنت لم تصنع الحرير
الذي تلبس و اللؤلؤ الذي تتقلّد
أنت لا تأكل النضار إذا
جعت و لا تشرب الجمان المنضّد
أنت في البردة الموشّاة مثلي
في كسائي الرديم تشقى و تسعد
لك في عالم النهار أماني ،
وروءى و الظلام فوقك ممتد
و لقلبي كما لقلبك أحلا
م حسان فإنّه غير جلمد
...
أأماني كلّها من تراب
و أمانيك كلّها من عسجد ؟
و أمانيّ كلّها للتلاشي
و أمانيك للخلود المؤكّد !؟
لا . فهذي و تلك تأتي و تمضي
كذويها . و أيّ شيء يؤبد ؟
أيّها المزدهي . إذا مسّك ألا
تشتكي ؟ ألا تتنهد ؟
و إذا راعك الحبيب بهجر
ودعتك الذكرى ألا تتوحّد ؟
أنت مثلي يبش وجهك للنعمى
و في حالة المصيبة يكمد
أدموعي خلّ و دمعك شهد ؟
و بكائي ذلّ و نوحك سؤدد ؟
وابتسامتي السراب لا ريّ فيه ؟
و ابتسامتك اللآلي الخرّد ؟
فلك واحد يظلّ كلينا
حار طرفي به و طرفك أرمد
قمر واحد يطلّ علينا
و على الكوخ و البناء الموطّد
إن يكن مشرقا لعينيك إنّي
لا أراه من كوّة الكوخ أسود
ألنجوم الني تراها أراها
حين تخفي و عندما تتوقّد
لست أدنى على غناك إليها
و أنا مع خصاصتي لست أبعد
...
أنت مثلي من الثرى و إليه
فلماذا ، يا صاحبي ، التيه و الصّد
كنت طفلا إذ كنت طفلا و تغدو
حين أغدو شيخا كبيرا أدرد
لست أدري من أين جئت ، و لا ما
كنت ، أو ما أكون ، يا صاح ، في غد
أفتدري ؟ إذن فخبّر و إلاّ
فلماذا تظنّ أنّك أوحد ؟
...
ألك القصر دونه الحرس الشا
كي و من حوله الجدار المشيّد
فامنع اللّيل أن يمدّ رواقا
فوقه ، و الضباب أن يتبلّد
وانظر النور كيف يدخل لا
يطلب أذنا ، فما له يطرد ؟
مرقد واحد نصيبك منه
أفتدري كم فيك للذرّ مرقد ؟
ذدتني عنه ، و العواصف تعدو
في طلابي ، و الجوّ أقتم أربد
بينما الكلب واجد مأوى
و طعاما ، و الهرّ كالكلب يرفد
فسمعت الحياة تضحك منّي
أترجى ، و منك تأبى و تجحد
...
ألك الروضة الجميلة فيها
الماء و الطير و الأزاهر و النّد ؟
فازجر الريح أن تهزّ و تلوي
شجر الروض – إنّه يتأوّد
و الجم الماء في الغدير و مره
لا يصفق إلاّ و أنت بمشهد
إنّ طير الأراك ليس يبالي
أنت أصغيت أم أنا إن غرّد
و الأزاهير ليس تسخر من فقري ،
و لا فيك للغنى تتودّد
...
ألك النهر ؟ إنّه للنسيم
الرطب درب و للعصافير مورد
و هو للشهب تستحمّ به
في الصيف ليلا كأنّها تتبرّد
تدعيه فهل بأمرك يجري
في عروق الأشجار أو يتجعّد ؟
كان من قبل أن تجيء ؛ و تمضي
و هو باق في الأرض للجزر و المد
...
ألك الحقل ؟ هذه النحل تجي
الشهد من زهرة و لا تتردّد
و أرى للنمال ملكا كبيرا
قد بنته بالكدح فيه و بالكد
أنت في شرعها دخيل على الحقل
و لصّ جنى عليها فأفسد
لو ملكت الحقول في الأرض طرّا
لم تكن من فراشة الحقل أسعد
أجميل ؟ ما أنت أبهى من الور
دة ذات الشذى و لا أنت أجود
أم عزيز ؟ و للبعوضة من خدّيك قوت
و في يديك المهند
أم غنيّ ؟ هيهات تختال لولا
دودة القز بالحباء المبجد
أم قويّ ؟ إذن مر النوم إذ يغشاك
و الليل عن جفونك يرتد
وامنع الشيب أن يلمّ بفوديك
و مر تلبث النضارة في الخد
أعليم ؟ فما الخيال الذي يطرق ليلا ؟
في أيّ دنيا يولد ؟
ما الحياة التي تبين و تخفى ؟
ما الزمان الذي يذمّ و يحمد ؟
أيّها الطين لست أنقى و أسمى
من تراب تدوس أو تتوسّد
سدت أو لم تسد فما أنت إلاّ
حيوان مسيّر مستعبد
إنّ قصرا سمكته سوف يندكّ ،
و ثوبا حبكته سوف ينقد
لايكن للخصام قلبك مأوى
إنّ قلبي للحبّ أصبح معبد
أنا أولى بالحب منك و أحرى
من كساء يبلى و مال ينفد
_______________