شبكة الموصل الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اسلاميّة ثقافية عامة .
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 المنحوتات السومرية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ساره
مشرفة
مشرفة
ساره


انثى
عدد الرسائل : 207
العمر : 41
تاريخ التسجيل : 01/01/2007

المنحوتات السومرية Empty
مُساهمةموضوع: المنحوتات السومرية   المنحوتات السومرية Icon_minitimeالسبت 27 أكتوبر - 8:38

المنحوتات السومرية... توثيق أمثل لحضارة مزدهرة
زيدان حمود




الحضارة في المفهوم العام هي الارتقاء بالحياة إلى درجات أسمى ، مخلفة نتاجها الذي يعكس تطورها على مر الزمن ، من مخلفات مادية ، عمرانية واثارية ، فضلا عن إنتاجها الفكري والمعرفي ، ونظام حياتها الاجتماعي ، وما تسنه من قوانين وأنظمة ، وما إلى ذلك مما يعكس رقي تلك الحضارة وازدهارها ، أو همجيتها وتخلفها .. فلحضارة الأمم التي تؤمن بالعلم والتقدم ورقي العلم ، وبناء الإنسانية على نهج التسامح والارتقاء إلى ما يخدم البشرية ويخلد نتاجها ، هي أمم قادرة على إرساء حضارة راقية تدوم متروكاتها إلى أزمان طويلة ، حيث تكون هذه المتروكات أشبه باللقى الثمينة التي يعثر عليها الإنسان في وقت هو أحوج مايكون فيه إليها ، كما في الحضارة السومرية مثالا، أما في الأمم التي تسعى إلى خراب الإنسانية بالاستحواذ على عطاءات الغير بقوة السلاح ، والغزو وتدمير ثقافة الآخر ونهب ثرواته من اجل الفتح والسيطرة، فهي حضارة زائلة مصيرها الذكر السيئ ، كما في مخلفات المغول التي لم يبق منها سوى أسماء اليخاناتها الجائرين ، جنكيز خان ، هولاكو خان ، تيمورلنك خان وما تبعهم من أمراء الدولة الأيلخانية التي حكمت العراق مئة عام ، لم يذكر منها التاريخ سوى الخراب والموت ، على عكس الحضارات الإنسانية الرائعة التي تركت ثمارها المتدلية للقطاف على مدى عصور سحيقة ، وأزمان سبقت الميلاد بآلاف السنين كالحضارة السومرية التي قال عنها أنطوان مورتكات في كتابه ( الفن في العراق القديم ) ( إن الحضارة التي برزت في الألف الثالث قبل الميلاد تحت ظل السومريين والأكديين ، وبلغت أوجها في الألفين الثاني والأول قبل الميلاد ، أيام البابليين والآشوريين ، هي نتاج تعاقب أجناس بشرية من أصول ولغات متباينة جدا ، ومع ذلك فأنها تعكس نظاما روحيا متماسكا تهيمن عليه وحدة تامة يرافقها في الوقت نفسه تنوع داخلي يمكن أن يقترن بتنوع حضارة الغرب المسيحي بعد العصر الكلاسيكي المتأخر).وبهذا فأن الحضارة كنتاج كوني معرفي مرتبط بشكل أو بآخر ، بالنتاج الروحي المتمثل بالفكر اوالمعتقد الديني ، حيث كلما نزع الإنسان إلى البساطة والسذاجة يكون إيمانه المطلق بالفرضيات الغيبية أعلى ما يكون ، خاصة إذا كان معرضا لقوى هجومية خارجية لا يتمكن من صدها أو حماية نفسه بإرادته الخاصة ، لذا فأنه يلجأ إلى تلك الغيبيات ويؤمن بها قسريا ، كونها البديل الأكيد للتعويض عن النقص الدفاعي الذي يعاني منه ، ومن هنا فأن اغلب الحضارات القديمة بنيت أساسا على معتقدات دينية غيبية سماوية أصلا ، حيث السماء بعيدة المنال عن كشف السر ، وكلما كان السر بعيدا كانت هيمنته قوية في السيطرة على العقول لعدم الوصول إليه وكشف حقيقته ، ومع امتداد السماء عاليا ، فأن الإنسان يحاول أيضا في ذلك الوقت المطاولة معها في بناء الأبراج والزقورات لمناجاتها واستلهام المعرفة منها ، ومن خلال هذا المد الروحي المتدفق نحو السماء ، تكون الهيمنة فيه عالية لذوي القدرة على مناجاة السماء والاندماج في الغيبيات أكثر من غيرهم ممن ليست له القدرة في معرفة الطرق إلى السماء ، التي تعددت الآلهة فيها وأصبح لكل جزء من الحياة بتفصيلاتها الدقيقة الها خاصا به ( اله للماء ، اله للهواء ، اله للحرب ، اله للخصب ،اله للرياح ، آلهة للجمال وللحب) وهكذا كلما تعددت الآلهة تعددت معها طبقات الملوك والكهان والمحاربين الذين يمثلون الآلهة على الأرض ، كعناصر أولية لتشيد وبناء الحضارة ، تليهم الطبقات المسحوقة ، التي ستكون على مر الزمن وقودا لطموحات الطبقات المتنفذة بقدرة الآلهة المفترضين .
لذا جاءت المخلفات السومرية الفخارية والحجرية والبرونزية تحاكي بفعلها الأولي الروح الغيبية المتمثلة بأصل الأشياء والانتماء إليها ، ومحاكاة الطبيعة بكل صورها المتمثلة بالمرئيات في الوقت ذاته ، حيث تركت لنا الحضارة السومرية سجلا توثيقيا حافلا بالحياة الاجتماعية آنذاك ،من خلال ما صوره الفنان السومري وأبدعه خياله الغيبي المنسجم مع روح الكهانة والملوكية المفترضة ، كبدائل أرضية لهيمنة السماء ، وبهذا فأن الملاحم السومرية ، والأشعار والأساطير تتمثل حية من خلال التماثيل والمنحوتات والرسوم المصورة على الجدران ، وهي تحاكي تلك الملاحم وتوثق لبطولات وانجازات الملوك في الحرب والأعمار ، وما يتركونه من اثأر حضارية تحفظه اللوحات والتماثيل والنصب ، كخزين معرفي كبير ، فأصبح الفنان السومري النحات أو الرسام بمثابة كاتب تاريخ سير الملوك والكهنة أو الموثق الإعلامي البديل عن مؤسسة الأعلام المعاصرة وتقنياتها الحديثة ، في حفظ الحدث وتوثيقه بالصوت والصورة السريعة ، التي تحفظ النتاج الحضاري المعاصر في كل ساعة تمر أو في كل دقيقة ولحظة ، فمن خلال الأرشيف الإعلامي الكبير الذي تحتفظ به الخزانة المعلوماتية الإنسانية المعاصرة ما يغني الباحث المستقبلي عن حياتنا الآن بعد مثات أو آلاف السنين، وعليه كان النحات السومري بمثابة الموثق الإعلامي المعاصر ، حيث حملت المنحوتات السومرية القديمة حياة اجتماعية متنوعة ومتفردة في الوصف، فلم يترك الفنان السومري شيئا إلا وصوره على حقيقته ، وصف الملوك وملابسهم وهيآتهم ومجالس شوراهم ، والطريقة التي يتلقون فيها مشورتهم السماوية من الآلهة المفترضين ، كما صور الكهنة وملابسهم وطقوسهم والطريقة التي يمسكون بها الكؤوس المقدسة ، صور المحاربين ورماحهم وملابسهم وعرباتهم الحربية ، وطريقة انتقالهم من مكان إلى آخر ، فضلا عن تصويره للعراة حليقي الرؤوس من الطبقات المسحوقة ، صور العمل والعمال ، النساء الملكات والمغنيات ، الحزن البكاء ، أدوات الحرث وطاسة البناء ، كل تلك الأشياء جاءت موثقة توثيقا دقيقا في المتروكات السومرية النادرة. وبهذا فلن يصعب على الباحث المعاصر الذي يريد معرفة الحياة السومرية بتفاصيلها سوى التمعن في صور التماثيل والأواني الخزفية ورسوم الجدران حتى يتمكن من وصف تلك الحياة من خلال النقل الدقيق الذي تركه الفنان السومري آنذاك ، كما في الصور المرفقة التي يمكننا من خلال مشاهدتها وصفها وصفا دقيقا يساعد المتتبع للحياة السومرية معرفة حقائق الأشياء من خلال ذلك الوصف .
في الصورة (رقم1) نشاهد الاستخدامات الأولى للعجلة في العربات القتالية ، حيث يبرز المقاتل بلباس الحرب وهو يمتطي العربة التي صممت على شكل حصان برأس نسر ، دلالة على القوة تسحبها أربعة خيول أو أربعة حمير ، وهي عربة قتالية خفيفة وسريعة ، مصدر سرعتها الخيول الأربعة وصغر حجمها الذي لا يسمح سوى لمقاتل واحد أن يمتطيها وكأنها جواد، المقاتل يمسك بيده سيفا أو ما يشير إلى انه سيف ، وليس هنالك ما يدلل على ان العربة تحمل أدوات قتالية أخرى، في الصورة رقم (2) نشاهد حملة الجرار العراة بلحى طويلة وأحزمة تشد البطن على جسد عار تماما إلا من ذلك الحزام الذي لا يدلل على العمل كما في الأحزمة المعاصرة للعمال البدائيون في الوقت الحاضر ولكن الأمر يختلف هنا في كون العمال المعاصرون يشدون أحزمتهم فوق الملابس وليس فوق أجسادهم العارية، ويشير كبر حجم الإناء الذي يحمله العامل أو الأجير فوق رأسه الى انه ربما يكون سقاء يحمل فيه الماء من الأنهار إلى البيوت أو ربما يكون وعاء للطبيخ أو إناء للنقل حيث الأجراء من الحمالين الذين ينقلون بضائع الميسورين على رؤوسهم ، وبهذا يكون الفنان الذي جسد هذه المنحوتات المرئية في زمنه السابق ، قد وثق في هاتين الصورتين رمزا أو دلالة لشيء ما ، ولكنه رسم رجلين شكليهما يختلفان تماما ، وجعلهما في وضعيتين مختلفتين من الجلوس ، مما يدلل على أن الرجل يوثق لحالة الإناء المحمول على الرأس وعري الناس المتمثل بالطبقات الدنيا ، على عكس الملوك والهنة والمحاربين ، الذين لم تبرز عوراتهم من خلال الرسوم أو المنحوتات، وفي الصورة رقم (3 ) نشاهد المظهر الخارجي الذي يتوضح في التمثالين اللذين يمثلان رجلين من الطبقات العليا وفيهما نشاهد أن شعر رأسيهما طويلا ومرتبا على جانبي الوجه بفرق عريض من المنتصف ، الشعر يلتصق مع اللحية بامتدادها حتى منطقة الصدر في نهاية الكتفين ، اللحية وشعر الرأس مرتبين ومظفورين ومدهونين بدهان خاص يحافظ على أناقتهما ، التي تعطي شكلا قدريا للرجل الذي يكون عاريا في الأعلى ، مع مئزر دائري يلتف على خصره وينزل حتى قدميه بانكسارات طويلة على امتداد الرداء الذي ينتهي عند القدمين، وفي الصورة رقم (4 ) تصوير لهيئة وملابس الكهنة الذين يظهرون ، بلحى مظفورة بشكل هندسي بديع ، تنزل إلى الصدر ما بعد الكتفين ، وهم يؤدون طقوسهم لأحد رموز الآلهة على حجر منحوت .
وفي مئات من التماثيل والمنحوتات الأخرى وغيرها من المتروكات السومرية والآثارية الكثيرة من أختام اسطوانية ونقوش على الأواني الفخارية وما شابه تتوضح لنا من كل ذلك مهمة الفنان السومري القديم ، فبالإضافة إلى كونه فنانا يحاكي الصخر بأزميله لإنتاج تحف تعبر عن رغبته في مواصلة الحياة التي يريدها مختلفة حتما عن أداء الآخرين من أبناء قومه ، حيث تكون واجباتهم ومهامهم تختلف عما يؤديه من دور ، قد يكون مقدسا عند الكهنة ، أو رسالي عند الملوك ، وربما رمزي أو بوهيمي بالنسبة له ، ولكنه في الوقت نفسه يوثق لحياة دقيقة معاصرة لزمنه بأزميله ، الذي يضرب به الصخر ليحيله من كتل متماسكة جرداء ، إلى حياة مرئية معاشة في كل تفاصيل الحياة التي يلمسها ويراها ، عدا كونها لا تنطق ولا تتحرك، اعتقد أن العلماء الآثاريين عندما صنفوا الحياة السومرية القديمة، ودخلوا في تفاصيلها ، لم يلجئوا إلى الملاحم والأساطير والأشعار وغيرها من المدونات ويجعلوها هي المرشد الأول لهم في كشف تلك الحياة بتفاصيلها ، وإنما كان معينهم الأول هو ما وجودوه من تماثيل ومنحوتات ورسومات منقوشة فوق الأواني الفخارية أو الحجرية والأختام الأسطوانية ، كانت لهم بمثابة بنك المعلومات المعرفي لتأكيد الحياة السومرية المسطورة في المدونات ، لحياة حافلة بالمآثر والأمجاد والبناء والعمران تاركة خلفها حضارة باقية على مر الزمن هي الحضارة السومرية ومخلفاتها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المنحوتات السومرية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبكة الموصل الثقافية :: قسم التاريخ والحضارات :: التأريخ الاسلامي والعربي-
انتقل الى: