يطالع الداخل من الجهة الشرقية إلى قلب العراق النابض (كربلاء المقدسة)، أول ما يطالعه قمر ينير قبة ذهبية شامخة شموخ الإباء والكرامة الربانية تجاورها مئذنتان تسبحان بجلال وكبرياء تبرق صورته خلال الذهب الخالص الذي كسيتا به.. لمن كل ذاك البهاء وتلك الهيبة التي تأخذ بمجامع القلوب وتشد الأرواح وتجتذب إليها الملايين من البشر كل حين..؟!
إن صوتا ما في داخلي يهتف بلسان صدق ما عهدت له مثيلا إلا بين هذه الظلال الوارفة من سمو المعنى وارتفاع الذات.. إنه يصهل بي كدم الغيور يحاول استحضار ماض تليد.. ماض مطرز بفرائد الدرر صيغت لجيد الزمان كأجمل هبة إلهية كتب لها الخلود الأبدي.
لكأن التاريخ يطل من شرفته العالية على شواهد أمجاد الأبطال صانعيه.. نظرة هنا ونظرة هناك.. حيث توضأ التراب بدم الشهيد ابن الشهيد أبي الشهداء الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (سلام الله عليهما).
الكون بأسره.. بماضيه وحاضره بل ومستقبله كذلك.. أخاله الآن واقفا بلا حراك لما أصابه من دهشة وذهول.. هذا الامام الحسين، ويقابله أخوه العباس، وعلى مرمى حجر منهما يشرق نور الحوراء زينب على تلك الرابية المسماة بـ(التل الزينبي).. وكأن اليوم هو العاشر من المحرم والسنة هي 60 للهجرة...!
في أطراف هذه البقعة المطهرة التي أصبحت اليوم أعظم مدينة تمتد القبور على مساحات شاسعة.. قبور الشيعة والمحبين، محوطة بهالة كبيرة من المساجد والحسينيات التي لا زالت تؤدي دوراً فاعلاً ومهماً في إحياء المناسبات الدينية، ونشر ثقافة أهل البيت (عليهم السلام). ولعل ذلك يبدو واضحاً وجلياً إلى حد كبير خلال شهر محرم الحرام، وشهر رمضان المبارك أكثر من أي وقت آخر.
لقد أضفى الطابع الديني للمدينة ومناخاتها الروحية قدراً كبيراً من الثراء الثقافي والقدرة على التعاطي والتعامل مع أناس من مشارب ومستويات وانتماءات وثقافات مختلفة.