المذهب السني ليس عربيا والشيعي ليس فارسيا .. فلماذا يكرر المثقفون العرب خطايا صدام حسين؟
( بقلم: ممدوح الشيخ كاتب وشاعر مصري)
عندما تجد مشاعر فرح أو شماتة أو حتى عدم اكتراث بسقوط مواطنين عراقيين ضحايا إرهاب أعمى يرفع لافتة "الحرب على الشيعة" أو "الدفاع عن هوية العراق" فلا تبحث عن الأسباب في الاختلاف المذهبي الشيعي السني فهو حقيقة تاريخية عمرها أكثر من ألف عام ولم يجد جديد حتى يصبح فجأة مبررا لكل هذا العنف الأعمى وبالتالي يتم استخدامه لأغراض سياسية.
ولتتذكر أن القنابل والسيارات المفخخة لا تفرق بين شيعي وسني، صحيح أنها كثيرا ما استهدفت أماكن يتجمع فيها على الأرجح أو على وجه القطع شيعة إلا أنها في أحيان أخرى كثيرة أيضا تسفك دماء العراقيين دون تمييز. وعندما يتحول إرهابيو العراق لذبح السنة الذين ينخرطون في الحرس الوطني أو السنة الذين يعترفون بالحكومة العراقية الحالية أو السنة الذين يتفاوضون مع الأكراد أو السنة الذين يسعون للمشاركة في الانتخابات، فإن هذا يؤكد أن أجندة سياسية تختفي وراء الشعارات المذهبية أو حتى القومية يراد فرضها بالإرهاب على الشيعة والسنة معا.
وفي صراعات السياسة تستخدم كل الأسلحة وكل الأكاذيب بلا رحمة وتصنع الهويات حسب الأهواء ويتحول التدافع المحكوم بقواعد أخلاقية وإجرائية إلى صراع يغذيه "الحقد المدنس"، وفي التاريخ المعاصر مثال مشهور حيث كان الرئيس السوفيتي جوزيف ستالين يقول لجنود الجيش السوفيتي في الحرب العالمية الثانية إن عليهم أن يحقدوا على الألمان حتى ينتصروا عليهم،
وانتهت الحرب العالمية الثانية وزال النظام النازي وبقي الحقد في نفوس الروس. وفي عام 1972 وقع المستشار الألماني السابق فيلي برانت اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي تنص على تسوية أية خلافات بين البلدين دون اللجوء للقوة، وهي الاتفاقية التي كان لها دور كبير في بناء جسور من الثقة بين الطرفين ظهرت نتائجها في عهد المستشار الألماني هيلموت كول الذي تمت وحدة ألمانيا على يديه. وكانت النخبة السياسية في البلدين من الوعي بحيث أقدما على عقد الاتفاقية متجاوزين الميراث القديم، أما الجماهير على الجانبين فكانت أسيرة "الحقد المقدس" ولذا جاء رد فعلها متشابها، فالقوميون الألمان اتهموا فيلي برانت بالخيانة والقوميون الروس عبروا عن مشاعرهم بالبكاء – الحقيقي لا المجازي – فالحقد إذا انتشر وتجذر في وعي جماعة ما تجاه جماعة أخرى فمن الصعب بمكان إزالته، وهو وسيلة للصراع أكثر خطورة من الأسلحة التقليدية غير التقليدية.
ولعبة صناعة الهوية لها تاريخ ملطخ بالدم والعار تبدأ بالتلاعب بالعقول وتنتهي بـ "القتل المقدس" كثمرة مرة من المحتم أن تنتجها بذرة الحقد الخبيثة، ففي البلقان كان هناك ثلاث مجموعات سكانية تتقاتل: الصرب، الكروات، البوسنويين، وجميعهم من الجنس السلافي لكن الصرب قرروا تلفيق هوية مزورة تمكنهم من حشد الجماهير لقتال الكروات أولا ثم البوسنويين، وكانت البداية ترويج أكذوبة أنهم هم وحدهم "السلافيون" وأن السلافية والانتماء للمذهب الأرثوذكسي متلازمان، ومن ثم فإن المسلمين (البوسنويين) والكاثوليك (الكروات) ليسوا سلاف بل دخلاء يجب "تطهير" الهوية القومية منهم.
وبالطريقة نفسها تروج الآن أكذوبة أن السنة هم المدافعون عن عروبة العراق – وأحيانا تصل الوقاحة حد ادعاء أنهم وحدهم عرب العراق – أما الشيعة فإن لم يكونوا من الفرس فإنهم على الأقل حصان طروادة الإيراني، العملاء المعادون لعروبة العراق، وهم – مع الأكراد – مغتصبون لا يجب أن يسمح لهم بأن يهددوا هوية "أرض الميعاد" العروبية الممتدة بـ "وعد" أبدي مجهول المصدر "من المحيط إلى الخليج" في تشابه مثير مع الوعد الذي تأسست عليه الصهيونية "من النيل إلى الفرات"، فكلاهما لا يكترث بحقوق أي جماعات سكانية غير تلك التي يمنحها الوعد هذه الأرض، وكلاهما يرسم خريطة تمتد من الماء إلى الماء!
ورغم أن البربر في المغرب العربي ليسوا شيعة ولا عملاء للفرس وكذلك الأفارقة في السودان وموريتانيا والأكراد والسنة في سوريا فإنهم جميعا جرى اضطهادهم وتغييبهم كل بمبرر مختلف لأنهم غير قابلين للاستيعاب في المفهوم القومي العربي المتطرف (المزور) للهوية، وجميعهم كانوا الوجه الآخر لصورة "الفلسطيني الغائب" المغيب من خلال إرهابه وترحيله وإنكار وجوده فضلا عن إنكار حقوقه، لكن الشعارات التي تم تغليف الحقيقة بها جعلت هذه الظواهر تبدو غير مترابطة.
خطر العروبيين يحيط بالعروبة . . . والإسلام
والخطر العروبي الذي تكشف عنه الأزمة العراقية يحيط على نحو جاد بالعروبة كهوية جامعة ثقافية وسياسية لا كأيديولوجيا مغلقة ولعل من المفيد في هذا السياق استعادة بعض مما كتبه قبل قليل المفكر الإسلامي التونسي المعروف الدكتور أبو يعرب المرزوقي (الأستاذ بالجامعة الإسلامية بماليزيا) محذرا من أن أكبر خطيئة اكتسبتها نخبنا أنها ربت شعوبنا علي السلوك الانفعالي فأصبحت عاجزة عن التمييز والروية وبات من الصعب تحديد الصواب على نحو يمنع كل خطة للعمل العقلاني. وأول ما يجب تأكيده حسب المرزوقي أن الإسلام وضع مبدأ الاعتراف بالتعدد الديني والتعدد الإثني فالقرآن يعترف بدينين منزلين هما اليهودية والمسيحية وبدينين غير منزلين هما الصابئية والمجوسية ويقر أهل هذه الأديان علي معتقداتهم وممارستهم الدينية مؤجلا الفصل بينهم إلى يوم القيامة، والقرآن يعتبر تعدد السلالات الإثنية والثقافات من آيات الخلق والتاريخ، فهل يرى ذلك القوميون العرب المتطرفون الذين أصابهم بالهوس رئاسة طالباني أو منصب هوشيار زيباري؟ وهل يتصور أن نقبل استخدام هذا الدين ستارا لسفك دم مسلمين لمجرد أنهم يدينون بمذهب آخر؟
من ناحية أخرى يرى المرزوقي أن الصدام غير المفهوم بين التاريخ العربي الإسلامي والتاريخ اليهودي المسيحي أحد أكبر العوائق الخارجية التي جعلت المسلمين مجبرين علي عداوات لا يقتضيها فكرهم الديني ولا الفلسفي فضلا عن كونهم ليسوا قادرين عليها إلا إذا أرادوا أن يخرجوا من التاريخ فيكونوا مجرد وقود لصعود القوي المقبلة علي حساب القوي التي يصارعونها الآن دون أن يكسبوا شيئا، وإنما العداء بيننا وبينهم هو ـ من منظورنا نحن لأن ديننا ينهانا عن محاربة أهل الكتاب لأسباب دينية – صراع سياسي يقبل كل الخطط المرحلية ولا ينبغي أن يتحول إلى عقيدة دينية لا تصح فيها معاملات الأخذ والعطاء. وهذا العائق شديد الخطورة فضلا عن أن خصومنا يوظفونه لإضعافنا في معارك غير ضرورية، ومن يتأمل الربط التهييجي في الكثير من وسائل الإعلام العربية بين الشيعة والأمريكان يدرك كيف استخدم وهم الصراع الحتمي مع الغرب أو أمريكا لتسويغ وصم الشيعة بكل النقائص بوصفهم حلفاء – أو عملاء للأمريكان – ومن ثم التواطؤ على دمائهم. ويقول المرزوقي حرفيا: "ورغم أن مثل هذه القضايا من سخافات بعض القوميين العرب الذين أدخلونا في صراعات ما أتي الله بها من سلطان بدعوى الغيرة علي القضية الفلسطينية فإنها تمثل الآن أكبر عوائق النهوض العربي الإسلامي. فقد آل إليه الأمر إلى أن قيست الوطنية والإخلاص بمثل هذه السخافات وقيس الالتزام والصمود بمثل هذه المعارك الجانبية"!.
ويتعجب المرزوقي من أن تنقلب الأمور بسبب جهل النخب الدينية الإسلامية فيصبح اليهود الذين هم أصحاب "الدين القومي" يدافعون عن الكونية ويصبح المسلمون الذين هم أصحاب الدين الكوني يدافعون عن الخصوصية، وأنا أزيد على قول المرزوقي أن القوميين العرب المتطرفين سعوا لاحتكار الإسلام وإعادة صياغته ليخدم أيديولوجيتهم العنصرية فتلاعبوا بمعنى الإسلام والعروبة معا، وممن يدفع الآن ثمن هذا التلاعب شيعة العراق.
إنما العرب كما يرى المرزوقي محاولا تخليص المفهوم من العنصرية هم من تكلم العربية من شعوب دار الإسلام التي أحبت العقيدة الإسلامية واللغة العربية فلم تميز بين العروبة الثقافية والحضارة الإسلامية ومعظم المفكرين المسلمين الذين أحبوا العربية وكتبوا بها أكثر عروبة من كل المتشدقين بالقومية العربية: ولا أحد يمكن أن يزايد على الغزالي أو ابن سينا اقتصارا على أعظم مفكري الأمة فضلا عن سيبويه أعظم تلميذ لأعظم أستاذ وضع علم اللساني العربي. أما لو ادعينا العرقية فإن العرب لن يبقى منهم إلا بعض القبائل الخليجية التي لا أظن العروبة أحب إليها مما عند شعوب المغرب العربي الذي دفع الملايين للحفاظ على عروبته وإسلامه قبل أن يصيب العروبة داء القومية فيدب الفيروس في جسد الأمة ليفسد النسيج العربي الإسلامي. فلقد فضل الإيديولوجيون بعض المئات من العرب الذين لن يخلصوا للعروبة مهما فعلنا لأن العروبة لم تكن عندهم إلا المدخل الوحيد لضرب الصحوة فضلوهم على ملايين المسلمين الذين لم يكن عندهم أدنى فرق بين عربي وبربري وكردي وتركي قبل هذا المرض العضال.
أما الجماعات الإرهابية التي تختبئ وراء ديباجات وشعارات إسلامية فهي بنظر المرزوقي حولت الدين إلى "أفيون" تحرك به الجماهير بدل أن يبقى كما هو أساس التحرير من الطاغوت أيا كانت طبيعته حزبية أو كنسية. ومع سيادة الأيديولوجيا القومية على الرابطة الثقافية والسياسية العربية سارع المتشدقون بالشعارات فنسبوا الوطنية والإخلاص للملتزمين بالحزبيات التي قضت على الأمة فكرا وعملا حتى أصبحت تهمة الخيانة صفة ملصقة بكل من يريد أن يعالج الأمور بحسب ما تخضع له من قوانين. ويتساءل المرزوقي بمرارة نشاركه إياها: فإلى متى يريد المتحزبون من شعبنا أن تحكمه الشطحات الحماسية التي تغوص بالأمة إلى سحيق الغمة؟
خصوصية الحالة العراقية
تنفرد الحالة العراقية (والبحرينية) بخصوصية ينبغي الانتباه لها هي أن الشيعة فيه يمثلون أغلبية مطلقة تبلغ 63 % (وكانت قبل التجنيس المشار إليه تتجاوز الـ 70 % في البحرين) ما يعني أنهم ليسوا مجرد أقلية كبيرة شأن الشيعة في الخليج أو اليمن أو لبنان، وبالتالي فإنهم مؤهلون بصناديق الانتخابات لأن يحكموا العراق، وسيكون النموذج العراقي نهاية أكذوبة عروبة المذهب السني، وسيولد تشيع عربي يكشف قدر التلفيق الذي تنطوي عليه الأيديولوجيا القومية العربية، فالتأثير الإيراني في العراق الجديد أمر لا مفر بسبب الاشتراك في الانتماء المذهبي لكن المهم طبيعته وحدوده، أما السعي لتحويل البعد المذهبي لشيعة العراق إلى بعد "صامت" كما فعل النظام البعثي البائد بالحديد والنار فمحاولة لإعادة التاريخ إلى الوراء وعرض من أعراض التفكير بالتمني، فالمرجعيات الدينية في العالم كله يمتد تأثيرها حيث يوجد أتباعها، وإلا فلماذا يكون مقبولا وجود نفوذ للفاتيكان في لبنان مثلا، ولا يكون مقبولا وجود نفوذ إيراني في العراق؟
في الوقت نفسه فإن النجف الأشرف هي تاريخيا عاصمة التشيع الأولى ولم تنافسها "قم" الإيرانية إلا بعد الثورة الإسلامية في إيران، وبالتالي فإن شيعة العراق لن يكونوا في العراق الجديد مجرد مجموعة سكانية كبيرة عدديا بل طائفة تقودها مرجعية دينية مؤثرة عالميا ما سيشكل حتما خصما كبيرا من رصيد الأزهر ومنافسه السعودي، وإذا كان الصعود الكبير للحوزة الدينية للمرجع الديني السيستاني هو البداية فإن ما يمكن أن يأتي بعده من الطبيعي أن يرعب النظام الرسمي العربي الذي يفضل تأميم الإسلام وتحويله إلى مجرد تابع لنظم لا تقبل أبدا عودة الصلة بين الدين والسياسة، وتعتبر ذلك خطا أحمر آخر للأمن القومي العربي من عسكر سوريا إلى عسكر موريتانيا الجدد.
القادسيات التي لا تنتهي
وفي ظل حقيقة أن الإسلام أول من قنن وشرع التعدد القومي والديني والمذهبي معترفا بدينين سماويين سابقين عليه ودينين غير سماويين لم يكن مفهوما أبدا – لولا التضليل الإعلامي – أن يصدق الناس أن يخوض النظام البعثي حربا مقدسة لإنقاذ الأمة من المجوس أو الفرس تحت شعار "قادسية صدام" بينما هو في حقيقة الأمر نظام ملحد يرفع شعار: ( نـحن البعث والدنيا بنيـناهـا لو امتدت يـد الله إلى البـعث قـطعناها ) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وحاشا لله. والتلاعب بمشاعر العامة لا يستمد تأثيره من الإلحاح منذ الثورة الإسلامية في إيران على الاختلاف بيننا وبين الإيرانيين وحسب، فهذا بعد واحد بل يستمد تأثيره بالقدر نفسه من إحساس عميق بالهزيمة والضعف والهوان يجعل الناس تريد الشعور بالانتصار في أي معركة على أي عدو في أي ميدان، المهم أن يكون لنا معركة ننتصر فيها، وفي تاريخ الجماعات اليهودية في أوروبا درس مشابه فعندما حرموا لفترات طويلة من المشاركة في السلطة ظهرت بينهم تيارات قومية متشددة تمجد القتل وسفك الدماء وترفع شعار: "التوراة والسيف أنزل علينا من السماء"!.
والتسامح مع الملحدين الذين انتشروا في العالم العربي كالوباء وفي الوقت نفسه العداء للشيعة من منظور طائفي وجهان لعملة واحدة، كلاهما نموذج للخلط الذي أدى إليه الاستخدام السياسي للولاءات الدينية والطائفية واعتماد منطق التهييج واستثارة مشاعر العامة، وجعل العروبة مفهوما مطاطا (استرتش) لا يستجيب لما حدث وحدث للسنة في سوريا ولبنان من اضطهاد بينما يفتعل مأساة موهومة عن سنة العراق "المضطهدين" لتتخذ مبررا لسفك دماء شيعته، وللإمعان في الخداع انهالت كتائب الإرهاب تحمل أسماء الصحابة وصولا إلى "الكتيبة الخضراء"، التي نسبت نفسها زورا للرسول صلى الله عليه وسلم، في طبعة جديدة أكثر رداءة من "قادسية صدام".
فماذا عن "معاناة" سنة العراق؟
أحيانا يبدو لي أن من الضروري توصيف الواقع وكأنه غير قابل للإدراك، وهو بالفعل في ظل الإلحاح على الأكاذيب يبدو مستعصيا على الإدراك ومن ثم الفهم، فمن المؤكد أن هناك من يعتبر أن السنة في العراق ضحايا مؤامرة متعددة الأطراف يشارك فيها الشيعة مع آخرين وأنها تبرر استهداف الشيعة وتبرر التشفي فيهم، وإلا فإن الجماعات الإرهابية في العراق تتمركز فعلا في المناطق ذات الغالبة السنية وتتمتع فيها بنوع من الحماية والحرية والتعاطف، وهو ما يحتاج تفسيرا. فمشكلة السنة في العراق ليست مذهبية مع السنة بل مشكلة ثقافة ترفض مبدأ المساواة أمام القانون فهم كما قال الشاعر الجاهلي: وإنا أناس لا توسط بيننا لنا الصدر بين العالمين أو القبر
فهم يريدون أن يفرضوا على مكونات الشعب العراقي الأخرى الإذعان لسيادتهم بغض النظر عن وزنهم النسبي فقناعاتهم واجبة التقديس لأنهم حراس عروبة العراق وهم بالتالي يملكون "حقيقة مطلقة" يجب الانصياع لها دون مناقشة، ولا اعتبار في نظرهم لقبول الأغلبية بقاء القوات متعددة الجنسيات وإتمام العملية السياسية في وجودها وكأن الوطنية نصوص دينية مقدسة لا يعرف تفسيرها إلا هم فمن فعل فقد استحق الطرد من جنة الوطنية وصار مستباحا. وهم لا يقبلون إخضاع قناعتاهم لصناديق الانتخابات، فمثلا في نظرهم الفيدرالية يجب أن تكون ثمرة محرمة حتى لو كانت مطلب أكثر من 80 % من الشعب العراقي وهوية العراق يجب أن تبقى عربية كما تريدها الأيديولوجيا القومية العربية دون اعتبار حق غير العرب في المشاركة في صياغة هوية العراق.
والصراع على البنية السياسية للدولة بين دولة فيدرالية ودولة مركزية لا يمكن اعتباره حربا مقدسة دفاعا عن الإسلام أو العروبة فالدولة المركزية التي نقلها الاستعمار الأوروبي "بضاعة أوروبية" والدولة الفيدرالية التي ينحاز إليها الأكراد والشيعة "بضاعة أمريكية" والفيصل الحقيقي إرادة الأغلبية وصندوق الانتخاب لا السيارات المفخخة، ناهيك عن أن الدولة المركزية شكل من أشكال التنظيم السياسي يساعد على ظهور الاستبداد السياسي وعلى انتشار الإلحاد، وهو أمر تؤكده الأرقام والإحصاءات عن معدلات انتشا الإلحاد والإيمان بالأديان السماوية في أوروبا وأمريكا، فالدولة المركزية تنازع الأديان السماوية جانبا من سلطتها على الضمير الأخلاقي للإنسان.
وإذا أردنا أن ندرك الفرق بين منهج السنة وغيرهم من الطوائف العراقية في الأداء السياسي في عهد ما بعد البعث فلنتخيل ماذا كان يحدث لو أن الشيعة والأكراد قرروا التفكير بمنطق طائفي وتحميل العرب السنة المسئولية عن جرائم النظام البعثي – وبالفعل كانوا يشكلون النسبة الأكبر من جيش صدام وأجهزته الأمنية – وماذا لو ترتب على ذلك انطلاق موجة عنف انتقامي من عقالها ضد العرب السنة ولدى الأكراد والشيعة التنظيمات المسلحة القادرة على ذلك، ورغم أن ذلك لم يحدث فإن السنة تحولوا إلى عقبة في طريق العملية السياسية رافضين إلا أن تنصاع الأغلبية لإرادتهم أو تصطلي بنار الإرهاب.