يناديهم يوم الغدير نبيّهم
بخم وأسمِع بالرسول منادياً
وقال فمن مولاكم ووليكم؟
فقالوا ولم يبدو هناك التعادياً
إلهك مولانا وأنت ولينا
ولن تجدن منّا لك اليوم عاصيت
فقال له قم يا علي فانني
رضيتك من بعدي اماماً وهادياً
فمن كنت مولاه فهذا وليه
فكونوا له اتباع صدق مواليا
هناك دعا، اللّهم والى وليّه
وكن للذي عادى عليّاً معادياً(16)(عليه السلام) على باقي الصحابة.
وعند موت الخليفة الثاني وعند انعقاد مجلس الشورى لتعيين الخليفة بعده احتج امير المؤمنين(عليه السلام) بحديث الغدير(17)(18)
هذا وكثير من الشخصيات الكبيرة تحدثوا به من موقع الاستدلال مثل الزهراء(عليها السلام) حيث كانت تستدل به دائماً أمام مرأى ومسمع المخالفين، وتشيد بمقام الإمام علي(عليه السلام)(19)
ما المقصود من كلمة مولى؟
المسألة المهمة هنا هو تفسير كلمة «مولى»، فإنّها على وضوحها اسائوا الاستفادة منها، وبعد أن لم يجدوا طريقاً ولم يستطيعوا للتشكيك بالسند تحركوا على مستوى التشكيك في مفهوم الحديث ودلالته، وخاصة كلمة «مولى» ولكنّهم رغم ذلك لم يحققوا نتيجة.
كلمة «مولى» وبكل طراحة لا تحمل في اغلب المواضع إلاّ معنى واحد، وهو الأولوية والجدارة، وبعبارة اُخرى: «الرئاسة»، وجاء في القرآن لفظ «المولى» بمعنى الرئيس أو المدير أو الأولى.
وجاءت كلمة «مولى» في 18 آية في القرآن الكريم، وعشرة منها تعبر عن مولوية الباري تعالى ولم تأت بمعنى الصديق إلاّ في موارد قليلة جدّاً.
ولذلك لا يمكن الشك في أن كلمة المولى هي بالدرجة الاُؤلى بمعنى الأولى والاجدر، ولم تأت في حديث الغدير إلاّ في هذا المعنى، والشواهد والقرائن كلها تشير الى ذلك المعنى.
* * *
أدلة تؤيد المدعى:
لنفرض انه يوجد لكلمة «مولى» معان متعددة، ولكن القرائن وشواهد الحال التي اكتنفت الحدث يوم الغدير التاريخي ترفع كل ابهام وشبهة، وتُتم الحجة على كل أحد:
الشاهد الأول:
نرى حسّان شاعر الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله) وبعد اخذ الرخصة من الرسول(صلى الله عليه وآله)قال:
فقال له قم يا علي فانني
رضيتك من بعدي اماماً وهادياً(20)
لم يستفد حسّان من لفظ المولى غير معنى الإمامة والقيادة والهداية، والحال أنّه يعتبر من أهل اللغة ومن فصحاء العرب ولولا أنّ الشواهد والقرائن لم تفد الاّ ذلك المعنى لما تجرأ حسان لأن يقول ما قال. ولأشكل عليه باقي العرب وعابه باقي الشعراء.
* * *
الشاهد الثاني:
ما كتبه الأمير(عليه السلام) في اشعاره لمعاوية حيث قال:
وأوجب لي ولايته عليكم
رسول الله يوم غدير خُمٍّ(21)
فهل يوجد شخص افضل من الإمام(عليه السلام) يفسر لنا ما هو المقصود من كلمة مولى في الشعر اعلاه، ولم يستفاد منها الاّ الزعامة والقيادة؟.
* * *
الشاهد الثالث:
قبل أن يقول الرسول(صلى الله عليه وآله) كلمته المباركة والشهيرة سأل الحاضرين: «ألستُ اولى بكم من انفسكم»؟ وبعد ما أخذ الإقرار بذلك من الناس قال: «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه...»
فما فائدة هذا التقارن والتوالي؟ وهل هو إلاّ لكي يثبت له ذلك المقام الرفيع الثابت للنبي(صلى الله عليه وآله) بنص القرآن؟ مع فارق مقام النبوة للنبي والإمامة لعلي، ويكون معنى الحديث أنّ كلّ من أكون أولى من نفسه فعلي أولى به من نفسه(22)ويتحاشى القرينة المذكورة التي لا تخفى الاّ على المعاند الذي لا يريد أن يرى الحق والنور.
* * *
الشاهد الرابع:
ثم إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخذ الاقرار من الناس بالاُصول العقائدية الثلاثة، حيث قال لهم:
«الستُم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله وان الجنة حق والنار حق».
فما هو الهدف من أخذ هذا الإقرار؟ وهل هو إلاّ لتنبيه الناس وتهيئة الأرضية لهم لما سيثبته فيما بعد لإبن عمه وأخيه وأن ولايته كباقي الاصول الاسلامية الدينية الثلاثة؟ فإذا كان المقصود من كلمة المولى الصديق والناصر، فلن يعود للكلام معنى، وسوف تتناثر المعاني في الجمل كلها.
* * *
الشاهد الخامس:
تنبّأ الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) بقرب حلول أجله في بداية الخطبة فقال:
«اني اوشك أن ادعى فاجيب»(23).
وهذه العبارة تحكي أنّه(صلى الله عليه وآله) كان يريد بذلك تعيين الخليفة من بعده، بحيث يمكنه أن يسد الثغرة التي ستحدث بموته(صلى الله عليه وآله)، ويجب أن يكون كفواً لذلك المنصب والمقام، ولا تحتمل معنى آخر، وإذا ما فسرناها بغير الخلافة فستنتفى العلاقة المنطقية في كلام الرسول(صلى الله عليه وآله)، والحال أنّه(صلى الله عليه وآله) افصح وابلغ من نطق بالضاد، وهل هناك قرينة أقوى من هذه؟
* * *
الشاهد السادس:
الرسول(صلى الله عليه وآله) بعد جملة «من كنت مولاه.....» قال: «الله اكبر على اكمال الدين واتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي».
فاذا كان المراد هو اعلان المحبة لواحد من المسلمين، فكيف يمكن من أثبات المودة لعلي(عليه السلام) ونصرته، اكمال الدين واتمام النعمة؟ والأوضح من ذلك أنّه(صلى الله عليه وآله)قال: «رضى الربّ برسالتى والولاية لعلي من بعدي»
فهل يبقى شك في أن المقصود من كلمة «الولي» هو معنى الخلافة؟(24)
الشاهد السابع:
الشاهد الأقوى هو تهنئة الشيخين (أبي بكر وعمر) وجمع غفير من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) للإمام علي(عليه السلام) بعد نزول النبي(صلى الله عليه وآله) عملية التهنئة إلى وقت الغروب، وكان الشيخان من أول من بادر إلى التهنئة، حيث قالا له:
«هنيئاً لك يا علي ابن ابي طالب اصبحت وامسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة»(25)
فأي مقام ناله علي(عليه السلام) في ذلك اليوم حتى يستحق من الشيخين ذلك التبريك؟ وهل هو الاّ الزعامة والخلافة والقيادة للامة، لانها لم تكن قد بلّغت للناس بشكل رسمي، وأوصلها الرسول(صلى الله عليه وآله) في ذلك اليوم؟ وإلاّ فان المحبة لم تكن شيئاً جديداً تستحق التهنئة.
* * *
الشاهد الثامن:
إذا كان المقصود من كل تلك الامور مما ذكر سابقاً هو تبيين محبة الناس للإمام علي(عليه السلام) فلا يلزم طرح هذه المسألة في ذلك الهواء الحار والمناخ المحرق (بأن يتوقف مسير الركب المكوّن من مائة ألف نفر، ويجلس الناس لإستماع خطبة طويلة في هذا الهؤاء الحار على أرض الصحراء المحرقة).
وما الداعي للتكرار؟ ألم يذكر القرآن الكريم: (إنّما المُؤمِنُونَ إخوة)(26)(عليه السلام)من المؤمنين كما ذكر مراراً وتكرار، فلم تكن حاجة لتلك المقدمات الصعبة، وكان بالإمكان طرح هذه المسألة في المدينة، كل ذلك يشير بصورة قاطعة إلى وجود أمر أهمّ وأكبر خطورة من ذكر مسألة الصداقة والعلاقة الحميمة.
* * *
لنجلس الآن للتحكيم:
بعد كل ما تقدم من الشواهد والقرائن هل يبقى شك في أن مقصود النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) هو الخلافة والولاية المطلقة على المسلمين؟ وكيف يغالط نفسه من يشك في ذلك؟ وبم يلاقي ربّه من ينكر تلك الامور؟
من المسلّم أنّ المسلمين إذا تركوا التعصب والرسوبات الفكرية، وشرعوا في دراسة حديث الغدير بنظرة جديدة، فسوف يصلون إلى نتائج مطلوبة مما سيكون سبباً في اتحاد المسلمين اكثر واكثر.
* * *
سؤال:
يقولون أن رئيس الجمهورية المحترم في احدى الخطب الإنتخابية فسرّ كلمة «المولى» بمعنى المحب، فما تقولون في ذلك رغم كونه من الروحانيين؟
الجواب:
كلاّ; لأنه صرّح بعد ذلك مباشرة في اليوم 23 لشهر خرداد سنة 1380 هجري شمسي، ونشر في كثير من الصحف فقال:
ـ أود الاشارة إلى أن ما ذكرته حول قصة الغدير واكرر أن المحبة لها مكانها الخاص في الدين الاسلامي وأن المقصود من كلمة: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» وبالتوجه لخصوصيات الزمان والمكان والبيعة التي اخذت للإمام علي(عليه السلام)، قطعاً هي الإمامة والولاية لامور المسلمين حيث قبلت من الجميع وخصوصاً الصحابة الأوائل، فاختيار كلمة المولى من قبل الرسول(صلى الله عليه وآله) فيها عناية خاصة، لأنّه كان بالامكان الاستفادة من كلمة القائد والسلطان والامير وما شابه ذلك، لكن كلمة «المولى» علاوة على القيادة والامامة فهي تشمل معنى المحبة والرأفة، وهي من اسس الدين الإسلامي، وشعبنا اليوم يحتاج للحرية والتقدم المتوائم مع المعنوية والاخلاق الحسنة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته