نعوم سحار1276-1318هـ/1859-1900م
هو نعوم فتح الله سحار، أديب ورائد حقيقي للمسرحية في العراق، ولد في الموصل عام 1859 وتوفي عام 1900، وعرف هذا الكاتب الرائد بفكره المستنير المؤمن بضرورة تحديث الحياة والأخذ بمعطيات المعرفة لخلق نهوض حضاري، بحيث يمكن القول ان هذا الرائد ينتسب وعن جدارة الى الرعيل الأول من مفكري النهوض، أولئك المفكرين الذين امنوا بأهمية حرية واستقلال الأمة وانتشالها من حفرة التخلف الحضاري، ويظهر ان سحار كان مهموما ومعنيا بالخروج من دائرة الخرافة والأسطورة التي تحكم الإنسان في مرحلته التاريخية، والعمل على ترسيخ قيم جديدة متطورة تعتمد العقل والعلم، وقد حاول سحار الغاضب من القيم والعادات البالية الرثة في مجتمعه، ان يفضح ويكشف ويعري أخلاق مجتمع يقترب من هاوية الانحطاط، ويبرز هذا في أعماله المسرحية التي كانت تحمل رسالة تنوير وتبشير بضرورة الخروج من الأزمة الحضارية، والحق ان أعماله تتسم أيضا ببعد ديني تربوي تعليمي تقترن بالوعظ والإرشاد، ولا يمكن فصل الموقف الأخلاقي في مسرحه وأدبه، عن شخصيته التي اتصفت بالتدين والورع والنزعة الإصلاحية، ولذا كان يرى ان الحرية في الأصل في وجود الإنسان، وان الفوارق بين الفئات الاجتماعية، حالة طارئة واستثنائية، ويجب ان تزول، فالإنسان واحد، والحرية جوهر وطبيعة، بينما الظلم والاستغلال والعبودية، أمور دخيلة ينتجها مكر الإنسان، وترسخها الطبقات المستغلة التي تطحن روح البشر، سعيا وراء المصالح الضيقة التي تهدر الكرامة في الحياة، وهذا ما يفسر لنا نقده عبر مسرحه التربوي، للفوارق الاجتماعية، والى هذا فقد كان هذا الرائد المستنير، صاحب الضمير الحي الصافي، مؤمنا بضرورة الحوار الحضاري بين الأديان، محققا فهما سليما للعلاقة بين الوطني والقومي والديني في منظومة فكرية إبداعية ترتكز الى التسامح والانفتاح والابتعاد عن الحجر الفكري والنظرات الضيقة المقفلة التي تغرق في مستنقع التعصب، فسحار داعية تسامح وتفتح، وصاحب نظرة صافية تحقق التكامل بين أبناء الأمة الواحدة التي تنفتح على الإنسانية، دون ان تفرط بهويتها الخاصة.
ان لغة سحار تستمد قوتها من التراث الديني اللاهوتي، وتأخذ حيويتها من التراث العربي في مجمل كتاباته، إلا انه يلجأ أحيانا سيما في مسرحه الى اللغة العامية التي تأخذ مفرداتها من الحياة اليومية، وتراعي المستوى الثقافي للشخصيات، تلك الشخصيات التي كانت متنوعة مفصحة عن مواقف فكرية وإنسانية متباينة.
لقد ترك نعوم سحار أثرا بليغا في حركة المسرح الموصلي والعراقي، وكان له تلاميذه الذين عملوا بمعيته، وواصلوا مسيرته الفكرية والإبداعية، وصولا الى خلق مسرح عراقي فاعل ومتطور ومؤثر، فهو رائد مثابر استطاع ان يخلق مسرحه الخاص، ذلك المسرح الممتلك لرسالة نبيلة في التنوير والتطوير والانتقال بالإنسان الى حياة حرة كريمة تؤمن كبرياءه وتصون شرف وجوده.
كان نعوم سحار رائدا مسرحيا مميزا، وكاتبا حساسا، أدرك أهمية الكلمة في التغيير الاجتماعي، وأحسن توظيف قدراته العقلية والفنية في ابتكار أعمال مسرحية عدت بحق الجذر الأساس لازدهار المسرح في الموصل، ولقد أفصح في أعماله وكتاباته عن قلب يعمره الصدق والمحبة، ونفس طيبة أبصرت التسامح والانفتاح وإرساء قيم حب الوطن في النفوس، وتلك رسالة جليلة بالتأكيد.
لقد عنيت المدارس المسيحية في الموصل، لاسيما المدارس التابعة للآباء الدومنيكان، ومنها المدرسة الاكليركية التي أنشئت في الموصل عام 1750م بالفن المسرحي في نطاق الإطار الديني أول الأمر ثم التربوي والتعليمي. وقد تمخضت هذه الحركة المسرحية الناشئة عن ظهور رواد المسرحية في العراق، ومنهم نعوم فتح الله سحار.
مثلث مسرحية –لطيف وخوشابا- لنعوم فتح الله سحار على مسرح الآباء الدومنيكان عام 1890 وطبعت في كتاب عام 1893م، وهي مترجمة بتصرف عن أصل فرنسي لمدام دي بوفوار، وتقع مسرحية لطيف وخوشابا في فصل واحد مقسم الى أربعة وعشرين مشهدا، وتبدأ بمقدمة قصيرة يحدد فيها سحار هدف المسرحية وهو ذو شقين: الأول أنها مسرحية تربوية، والثاني اللغة التي استخدمتها في الحوار وهي اللغة العامية السائدة في القرى المسيحية القريبة من الموصل. وقد عالج سحار الحوار بطريقة مماثلة لمعالجة رائد المسرح العربي- مارون النقاش- الذي لجأ الى العامية اللبنانية لتمييز بعض شخصيات مسرحيته –البخيل- التي قدمت على المسرح في لبنان لأول مرة عام 1847.
وقدم نعوم فتح الله سحار مسرحيته الثانية –الأمير الأسير- على مسرح الآباء الدومنيكان في الموصل عام 1895، وقد لجأ سحار الى أسلوب الترجمة بتصرف كامل للنص الأصلي لكي يلائم الزمان والمكان بالنسبة للعرض والمشاهدين وكأنه يكتب مسرحية جديدة ولا يقوم بعملية الترجمة فقط، وهذا لا يقلل من جهده الكبير، ويبقيه الرائد الحقيقي للمسرحية العراقية الحديثة.
استخدام سحار المسرح للتعبير عن إحساسه بالتذمر من فقدان الحرية والشعور بالتمايز الاجتماعي، ومسرحيته –لطيف وخوشابا- تدور حول علاقة الإنسان بالأرض وترسم حالات الانتماء الحميم الى الوطن.
مؤلفات نعوم سحار:
- لطيف وخوشابا، مسرحية، الموصل 1891.
- الأمير الأسير، مسرحية، الموصل 1895.
- أحسن الأساليب لإنشاء الصكوك والمكاتيب، الموصل 1888.
- القراءة التركية، الموصل 1892.
- التحفة السنية لطلاب اللغة العثمانية، ج1-ج2، الموصل 1894-1895
مصادر ترجمة نعوم سحار:
- د.عمر الطالب، المسرحية العربية في العراق،م. النعمان، النجف 1971.
- موسوعة الموصل الحضارية، ج4،ج5، جامعة الموصل.
- حميد المطبعي، موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين، ج2، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد 1996.
- د.علي الزبيدي، المسرحية العربية في العراق معهد الدراسات العربية، القاهرة 1967.
- بسام إدريس الجلبي، موسوعة اعلام الموصل، "مخطوط".
- كوركيس عواد، معجم المؤلفين العراقيين في القرنين التاسع عشر والعشرين، ج1،م. الإرشاد، بغداد 1969.
_____________________________________وكالة عراقيون
الكاتب : أ.د.نجمان ياسين